و من تأكيد الاحتجاج المسوق بسياق الامتنان و للّه الشكر قوله تعالى
29هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ لمنافعكم التي تعرفونها و
التي لا تعرفونها و من منافعكم اعتباركم بخلقتهاما فِي
الْأَرْضِ جَمِيعاً من نبات و مياه و حيوان و معادن فتبصروا و اعتبروا و التفتوا إلى ما
في الأرض و البحار و النبات و الحيوان من مظاهر قدرة الإله و إرادته و حكمته و
رحمتهثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ أي جهة العلو. و التعبير
بالاستواء مجاز باعتبار توجه إرادته و حكمته الى خلق السماوات في العلوّ بعد أن
خلق الأرض و قدّر فيها أقواتها في أربعة أيامفَسَوَّاهُنَ و فسر إبهام الضمير بقوله
تعالىسَبْعَ سَماواتٍ وَ هُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ مما خلفهعَلِيمٌ كما يظهر على المخلوقات
دلائل علمه و خلقه بالإرادة على مقتضى حكمته. و ذكر جل اسمه من السماوات سبعا
باعتبار ما يرونه و يعرفونه في تلك العصور من السيارات السبع و كسف بعضها لبعض و
إن كانت السماوات في الهيئة القديمة تسعا لأن فلك الثوابت و الأطلس كما يزعمون سماء
ان أيضا. و في الهيئة الجديدة باعتبار المدارات للسيارات اكثر من ذلكوَ هُوَ
بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
تنبيه
لا يخفى ان الحذف لما يدل عليه المقام و يرشد وجه الكلام إلى حذفه
باب من أبواب البلاغة عند العرب و هو في نثرهم و شعرهم كثير. و لنذكر له شيئا من
شعرهم لمناسبة المقام و توطئة لما يأتي في بلاغة القرآن الكريم من نوع الحذف. قال
لبيد بن ربعة العامري
قالت غداة انتجينا عند جارتها
أنت
الذي كنت لو لا الشيب و الكبر
فحذف خبر «كنت»
اي جميلا و نحو ذلك و غيرك الشيب و الكبر. و قال مساور بن هند بن
قيس
زعمتم أن إخوتكم قريش
لهم
الف و ليس لكم إلاف
أولئك أومنوا خوفا و جوعا
و
قد جاعت بنو اسد و خافوا
فحذف تكذيبهم لدلالة حجته على ذلك. و قال عبد مناف الهذلي في آخر
قصيدته
حتى إذا سلكوهم في قتائدة
شلا
كما تطرد الجمالة الشردا
فحذف جواب إذا و عاملها لدلالة المقام و قوله «شلا» و قال الحارث بن حلزة
اليشكري في معلقته