responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أعيان الشيعة نویسنده : الأمين، السيد محسن    جلد : 10  صفحه : 412

البلاد النائية إما لتلقي دروس علم عن متخصص فيه، حاذق له، معروف به، مفقود في بلده، واما لسماع حديث أو أحاديث عن رجال ثقات عنوا بأسانيدها وبتمييز صحيحها من فاسدها، وغثها من سمينها. وقد تنشط همم بعضهم لقطع المراحل القصية لتصحيح حديث واحد عن محدث عرف بالوثاقة والأمانة والتمحيص. واما لدراسة طبائع الأمم والشعوب وأديانهم وعقائدهم. واما للوقوف على مصورات بلادهم وموقعها من الكرة وما فيها من الخصائص، وما إلى غير ذلك مما يهدف إليه الطوافون في جوانبها، والماشون في مناكبها وكل يأخذ من الرحلة ما هو ميسر له، وما يحفزه إليه طبعه.
ومن هؤلاء من نعدهم ولا نعددهم ممن طوفوا في الأرض لأحد تلك الأغراض من قدمائنا: اليعقوبي المؤرخ والمسعودي وابن النديم والكراجكي والخطيب البغدادي ومنهم الفارابي الذي استقرت سفينته في طوافه في بلاد الشام وانتهت حياته في دمشق. ومنهم ناصر خسرو الإيراني وياقوت الرومي وابن جبير وابن بطوطة. إلى كثيرين يخرجنا عدهم عن غرضنا. وفي العصر الأخير فيلسوف الشرق السيد جمال الدين الأفغاني الممحضة رحلاته لاصلاح الشرق وايقاظ المسلمين من غفلتهم فالميرزا باقر الإيراني فجم غفير غيرهم.
واما صاحب هذه الرحلة الجليلة إلى إيران امام عصره ومصلحه العظيم فقيد الشرق الاسلامي ساكن الجنان الخالد السيد محسن الأمين فكان حافز نفسه الكريمة التي لم تمل العمل للعلم ونشره في الآفاق لا في أفق وطنه المحدود وفي طائفته فحسب طموحا لا مدى له ولا حدود فلم تقف به سنه العالية عن ارتياد زيادة المادة لموسوعته أعيان الشيعة التي إن كان رجالها المترجم لهم من أبناء ملته فهي في واقعها متجاوزة حدود هذا الغرض. ومن خليقة هذا العالم العظيم النهم العلمي والإحاطة التي قد ترى متجاوزة للطاقة والإمكان.
لقد أزمع على تلك الرحلة العراقية الإيرانية للاستزادة من المصادر لكتابه فتحمل مشاقها حيث يضعف عن احتمالها أولو العصبة من الرجال عالم بان وراء ما يتطلبه لتاليف كتابه الفذ في بابه من جهد وعناء وصبر وسهر أداء لواجبات دينية واجتماعية ومبادلة زيارات وما إلى ذلك مما سيكون عليه لزاما لا مفر منه ولا محيص عنه وله شهرته العلمية المطبقة للآفاق فوطن نفسه على احتمال كل ما سيلاقيه من الأعباء الثقال.
ان هذه الرحلة استغرقت أحد عشر شهرا صرف منها في العراق أكثر من النصف وفي إيران فصل الربيع ومعظم فصلي الصيف والخريف وكان ذلك سنة 1352 ه‌ وسنة 1933 م وبعد سفره الميمون توفقت للاجتماع بسيادته في الكاظمية مدة يومين أو ثلاثة وهو على اهبة السفر للبلاد الإيرانية في أواسط نيسان وقد كنا في جملة مشيعي ركبه الميمون.
وفي أول حزيران سنة 1934 و 17 صفر سنة 1352 حيث تخف وطأة البرد في إيران وهو ما حذرنا منه أصدقاؤنا ولم يعبأ به صاحب الرحلة الجليل سافرت على اسم الله تعالى وهمنا اللحوق بركبه الميمون والتشرف بطلعته والاقتباس من علمه والأخذ بحظنا من مؤانسته النادرة المثال. التي استمتعنا واستمتع أهل النبطية بمعينها الفياض وقد شرفها صيف عام 1349 ه فمكث فيها ثلاثة أشهر حيث يتنسى له طبع الجزء الأول من معادن الجواهر بمطبعة العرفان في صيدا والاشراف على الطبع والتصحيح فكانت تلك الأشهر الثلاثة غرة في جبين الأيام ومظهرا من مظاهر فخرها سجلها رضوان الله عليه في قصيدة رائعة نشرها ونشر جوابها لكاتب هذه الكلمة في الجزء الثالث من معادنه الغالية. [1] وبعد طينا صحيفة أيام صفر إلى التاسع من ربيع الأول واثنين وعشرين يوما من حزيران صرفناها في كرمانشاه وهمذان وقم سافرنا إلى طهران يوم الجمعة في 9 ربيع الأول و 22 حزيران مساء ولم يذر قرن غزالة السبت في سماء هذه العاصمة وتنشر نورها في آفاقها الا على تحقيق أول واجب مفترض علينا الا وهو القيام بزيارة ذلك المجاهد العظيم وقد عرفنا انه نزيل العلامة الجليل الشيخ إسحاق الرشتي مدرس علمي الأصول والفقه في مدرسة سبه سالار فهرعنا إليه وما كان أروع ما لقينا من كريم عطفه وجميل خلقه وهو مع كثرة زائريه والمترددين عليه من رجال الدين والدنيا على مختلف طبقاتهم صارف همه في مطالعة ما يعرض عليه من كتب مخطوطة عربية وفارسية وهو يحسن هذه اللغة تكلما وكتابة سواء أ كان منها ما يتعلق بموضوع موسوعته أم كان في سواها من العلوم.
وهكذا كان هجيراه في كل بلد حلها في رحلته.
واسعدنا الحظ بعد مكوثنا ستة عشر يوما في طهران ان تشرفنا بصحبته الشريفة إلى مشهد الرضا ع في خراسان واستمرت اقامته مدة أربعين يوما، ومع كثرة زائريه من رجالاتها على مختلف طبقاتهم لم يكن ذلك بصارف له عن تأدية مهمته العلمية أكمل أداء، وقد فتحت له المكتبة الرضوية أبوابها واختصته بما هو خارج عن نظامها من حيث اخراج كتبها من مستودعها فكانت تسمح له بإعارة الكتاب الذي يبلغ به حاجته في مكان نزوله، وهكذا طوى زهاء ستة أشهر ونيفا في إيران منقبا باحثا عن كل ما له علاقة بكتابه إلى ما تفرضه عليه المجالات وحقوق الاخوان والى ما يعرض في خلال الاجتماعات من مباحث علمية والى قيامه بامامة الجماعات في كل بلد حله وقد تخلت عنها له أئمة مساجدها، والضيافات والقوم كل يرى نفسه سعيدا ان يكون ضيفه وقد شاهدنا في المدة التي سعدنا فيها بصحبته دع المدة التي لم نكن حاضرين بها ما نعجز عن تحريره وتسطيره.
وعدنا في ركابه من عاصمة خراسان إلى عاصمة المملكة الإيرانية طهران وقد طوينا زهاء الشهر في الإياب في هذه العاصمة السعيدة أيام رضا شاة الذي طلب الاجتماع بصاحب الرحلة الخالد وكان له معه حديث كله صراحة شيمة العلماء العاملين.
وشاء القدر ان يفارقها إلى قم في إيابه على أن نتشرف باللحاق به وانتظرنا فيها وفي همذان وأخيرا في كرمنشاه وهناك سعدنا بلقائه وكان بنا مسرورا.
هذه هي الرحلة الميمونة التي ما كاد خبرها ينمى إلى إيران حتى تلقته بالارتياح العظيم وما اطل ركبه على بلد من بلادها الا وقد أعد له الاستقبال الحافل وسرعان ان أصبح شخصه المحبوب وخلقه الكريم وعلمه

نام کتاب : أعيان الشيعة نویسنده : الأمين، السيد محسن    جلد : 10  صفحه : 412
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست