responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أعيان الشيعة نویسنده : الأمين، السيد محسن    جلد : 10  صفحه : 338

وبقيت أقرأ مدة يسيرة عند شيخنا وابن عمنا المذكور لكن بفائدة قليلة لأنني لم أبلغ سنا يمكنني فيه ان اعرف كيف ينبغي ان يكون التعلم وليس من يرشدني إما هو فرجل فاضل.
في عيثا الزط ثم حضر من العراق السيد جواد مرتضى إلى قريته المسماة عيثا الزط قرب تبنين وذلك حوالي سنة 1297 وتنسب إلى الزط وهم الذين ينزون ذكور الخيل والحمير على إناثها وليس بها منهم اليوم أحد ولعلهم كانوا في الأعصار السالفة كذلك تمييزا لها عن عيثا الشعب التي هي في منطقة تسمى الشعب فأرسلت إليها حوالي سنة 1297 وشرعت جماعة في قراءة القطر عليه ولكوني في سن الطفولة كنت إذا فتحت الكتاب ليلا للمطالعة حسب العادة، لا اهتدي إلى فهم شئ من العبارة وإذا حضرت الدرس نهارا لا أفكر في الدرس بل فكري مشتت فمضى علي على هذه الحال مدة قليلة واترابي جلهم مشتغلون باللعب ثم رأيتني أخاطب نفسي فأقول أنت حضرت إلى هنا لتستفيد لا لتتعاطى ما يتعاطاه الصبيان من اللعب فصممت على الجد والكد فلما كان الليل فتحت الكتاب وامامي السراج والطلاب محيطون به كل في فراشه يطالعون وجعلت انظر في العبارة فكأنني كنت في ظلام ثم لاج لي في أثناء ذلك الظلام ضياء يسير فرحت به وتنبهت وجعلت اعرف جيدا كيف ينبغي أن تكون المطالعة وأن يكون تفهم الكلام ولم أزل من ذلك الحين إلى اليوم اشتغل بطلب العلم قراءة وتدريسا ومذاكرة وتأليفا بهمة لا تعرف الكلال في الصرف والنحو والمنطق والبيان والفقه والأصول في مدارس جبل عامل بكل جد واتقان وفي النجف على مشاهير علمائها تاركا معاشرة كل من لا استفيد منه علما مقبلا على خويصة نفسي صابرا على محن الزمان.
ومن الله علي في جبل عامل برفيق يسمى الشيخ محمد دبوق وهو أكبر مني سنا فهو ملتح وانا طفل وكان تقيا ورعا زاهدا فطنا مجدا في طلب العلم متجنبا للغيبة وسماعها وإذا أراد أحد ان يستغيب في مجلسه صرف الكلام عن جهته بدون ان ينهي المستغيب صريحا بل بأسلوب جميل على أن يقدر عليه أحد ولا تمر به حادثة الا ويستشهد عليها بشعر أو ذكر حكاية فكنا نقرأ معا عند السيد جواد المذكور فإذا قرر مسالة لا يمكن ان يتجاوزها حتى يفهمها جيدا فإذا لم يفهمها يقول له هذه لم تدخل في فكري فيعيدها ثم يقول له هل دخلت فيقول لا لم تدخل فيعيدها ثانيا حتى يقول فهمتها. أما انا فكنت اضجر من ذلك ولكنني اسكت ثم نذهب للمباحثة فيجلس امامي على ركبتيه لا يتكئ ولا يميل إلى يمين أو يسار ولا يلتفت فإذا رأيته كذلك استحييت من نفسي وجلست جلوسه ثم تغلبني طبيعة الصبا فانسى واجلس متربعا واعتمد على يميني أو شمالي ثم أتذكر فأعود فأتممت معه قراءة شرح القطر بكل اتقان وقراءة علم الصرف وشرح ابن الناظم على ألفية والده إلى نعم وبئس.
وحضر في سنة 1298 من العراق الشيخ موسى شرارة إلى بلدة بنت جبيل فذهب والدي لزيارته وعاد فأخبرني عنه وقال إن الناس تتوافد لزيارته وذهب شيخنا أيضا لزيارته وكانت عادتي ان أحضر إلى شقراء في أغلب الأسابيع يوم الخميس بعد الظهر إذ أكون قد أكملت دروسي فأبيت فيها ليلة الجمعة وأرجع عصر يوم الجمعة.
رجعت مرة فوجدت الشيخ موسى قد جاء ليرد الزيارة لشيخنا المذكور وهو جالس امام الدار على مصطبة فسلمت عليه وجلست وكنت متلفعا بملفع من الصوف ولي وفرة كما يكون للشبان فسال عني فاخبروه فقال لي لم تلفعت بهذا الملفع، وهذه الوفرة لا تليق بطالب العلم فقلت إما الملفع فاتقي به البرد واما الوفرة فاحلقها فقال لي بأي كتاب تقرأ قلت في شرح القطر وكان إلى جانبي رفيق لي هو أسن مني فسأله أيضا فقال في شرح القطر فقال له ما تعريف الكلمة فلم يحر جوابا فسألني فقلت قول مفرد فقال أيهما الجنس وأيهما الفصل قلت هذا لم أقرأه فسكت فلما كان الليل واحضر العشاء افتقدني ولم يرض ان يتعشى حتى حضرت وتعشيت معه فلما فرغنا قال أسألك أيضا قلت نعم قال كيف تعرب:
إذا قالت حذام فصدقوها * فان القول ما قالت حذام قلت إذا ظرف متضمن معنى الشرط قال بما ذا يتعلق قلت خطا بقالت فقال إذا مضافة إلى الجملة التي بعدها والمضاف إليه لا يعمل في المضاف فلم يكن عندي جواب لأن ذلك لم يطرق سمعي من قبل لكنني سررت بالتفاته إلي وبسؤاله لي ونشطت لطلب العلم ورغبت فيه.
وكان معنا في عيثا الشيخ احمد بري وكنا نستأجر امرأة لنقل الماء من العين الفوقا التي تبعد نحوا من ربع ساعة عن القرية ونلاقي من ذلك مشقة لعدم وجود من نستأجرها في كل وقت فاخترع الشيخ احمد بذلك ان صنع لصفيحة من صفائح الكاز خشبتين وشدهما بها شدا وثيقا فيحملها أربعة من التلاميذ وينشدون شعر ألفية ابن مالك ذهابا وإيابا فيكون في ذلك عدة فوائد والماء يستخرج من هذه العين بالنادوف فيوضع عامودان من خشب بجانبي العين التي يبلغ عمقها نحو أربعة أو خمسة أمتار وبينهما خشبة معترضة من إحداهما إلى الأخرى ويدخل في الخشبة المعترضة خشبة أخرى طويلة طرفها الدقيق من جهة العين وطرفها الآخر بحيث إذا ترك يصل إلى الأرض وفي طرفها الذي يلي الأرض حجر ثقيل وفي الذي يلي الماء الحبل والسطل فيجذبها المستقي حتى يصل السطل إلى الماء ويمتلئ ثم يرسلها فترفع السطل إلى فم العين فيتناوله ويفرغه وهكذا.
ووقع في بعض السنين ثلج وليس عند الطلاب حطب وقريب من القرية شجرة قديمة عادية يحترمها أهل القرية ويتحرجون من قطع غصن منها خوفا من المجازاة في الدنيا، وأمثال ذلك في جبل عامل وغيرها كثير فذهب التلاميذ وجعلوا يربطون فروع تلك الشجرة بالحبال فتنكسر وتسقط فيجرونها إلى أماكنهم للوقود وأهل القرية يستنكرون ذلك ويخافون على التلاميذ عاقبة ذلك وينهونهم فلا ينتهون وفي الصباح جاءوا ينظرون إليهم هل ماتوا من عاقبة هذا العمل فوجدوهم احياء ولم يمت منهم أحد وبطل ما كانوا يظنون.
وسرق لواحد من التلاميذ دراهم فقال الشيخ احمد بري انا استخرجها فكتب على قطع من الخبز حروفا وقال هذه لقمة الزقوم من كان سارقا وأراد بلعها يختنق فابتلعها جماعة ولما وصلت النوبة إلى السارق أصفر لونه وخاف من بلعها وأقر ودفع الدراهم.
وكتب رفيقنا الشيخ محمد دبوق إلى الشيخ احمد بري يوما بهذه الأبيات:
يا شيخنا مسالة مفيدة * لا برحت أوقاتكم سعيدة

نام کتاب : أعيان الشيعة نویسنده : الأمين، السيد محسن    جلد : 10  صفحه : 338
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست