نام کتاب : الطبّ النبوي نویسنده : ابن قيّم الجوزية جلد : 1 صفحه : 161
( والثاني ) : أنه سبحانه عدل في هذه
الأحكام غير ظالم لعبده ، بل لا يخرج فيها عن موجب العدل والاحسان. فإن الظلم سببه
: حاجة الظالم أو جهله أو سفهه ، فيستحيل صدوره ممن هو بكل شئ عليم ، ومن هو غنى
عن كل شئ ، وكل شئ فقير إليه ، ومن هو أحكم الحاكمين. فلا تخرج ذرة من مقدوراته عن
حكمته وحمده ، كما لم يخرج عن قدرته ومشيئته. فحكمته نافذة حيث نفذت مشيئته وقدرته.
ولهذا [١] قال نبي
الله هود صلى الله على نبينا وعليه وسلم ـ وقد خوفه قومه بآلهتهم ـ : [٢](
[
إني ] أشهد الله واشهدوا : أنى برئ مما تشركون من
دونه ، فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون ، إني توكلت على الله ربى وربكم ، ما من دابة
إلا هو آخذ بناصيتها ، إن ربى على صراط مستقيم) أي : مع
كونه سبحانه آخذا بنواصي خلقه وتصريفهم كما يشاء ، فهو على صراط مستقيم : لا يتصرف
فيهم إلا بالعدل والحكمة ، والاحسان والرحمة. فقوله : « ماض في حكمك » ، مطابق لقوله : (ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها) ، وقوله : «
عدل في قضاؤك »
، مطابق لقوله : (إن ربى على
صراط مستقيم).
ثم توسل إلى ربه بأسمائه التي سمى بها
نفسه : ما علم العباد منها ، وما لم يعلموا ، ومنها : ما استأثره في علم الغيب
عنده : فلم يطلع عليه ملكا مقربا ، ولا نبيا مرسلا. وهذه الوسيلة أعظم الوسائل ، وأحبها
إلى الله ، وأقربها تحصيلا للمطلوب.
ثم سأله : أن يجعل القرآن لقلبه كالربيع
الذي يرتع فيه الحيوان ـ وكذلك القرآن : ربيع القلوب. ـ وأن يجعله شفاء همه وغمه ،
فيكون له بمنزلة الدواء الذي يستأصل الداء ، ويعيد البدن إلى صحته واعتداله. وأن
يجعله لحزنه كالجلاء الذي يجلو الطبوع والأصدية وغيرها. فأحرى [٣] بهذا العلاج ـ إذا صدق العليل في
استعماله ـ أن يزيل عنه داءه ، ويعقبه