ساعة ، فقال له زيد
بن أرقم : ارفع القضيب عن هاتين الشفتين ؛ فوالله الذي لا إله إلاّ هو لقد رأيت
شفتي رسول الله على هاتين الشفتين يقبّلهما. ثمّ بكى ، فقال له ابن زياد : أبكى
الله عينيك ، فوالله لَولا أنّك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك. فخرج زيد من
المجلس وهو يقول : ملك عبد عُبُداً فاتخذهم تلداً ، أنتم يا معشر العرب العبيد بعد
اليوم ، قتلتم ابن فاطمة ، وأمّرتم ابن مرجانة ، يقتل خياركم ويستعبد شراركم ، فرضيتم
بالذلّ فبُعداً لمَن رضي بالذلّ [١].
وانحازت زينب ابنة أمير المؤمنين (ع) عن
النّساء وهي متنكّرة ، لكن جلال النبوّة وبهاء الإمامة المنسدل عليها استلفت نظر
ابن زياد فقال : من هذه المتنكّرة؟
قيل له : ابنة أمير المؤمنين زينب
العقيلة.
فأراد أنْ يحرق قلبها بأكثر ممّا جاء
إليهم فقال متشمّتاً : الحمد لله الذي فضحكم ، وقتلكم وأكذب اُحدوثتكم.
فقالت (عليها السّلام) : الحمد لله الذي
أكرمنا بنبيّه محمّد وطهّرنا من الرجس تطهيراً ، إنّما يفتضح الفاسق ، ويكذب
الفاجر ، وهو غيرنا.
قال ابن زياد : كيف رأيت فعل الله بأهل
بيتك؟ قالت (عليها السّلام) : ما رأيت إلاّ جميلاً ، هؤلاء قوم كتب الله عليهم
القتل فبرزوا إلى مضاجعهم ، وسيجمع الله بينك وبينهم فتُحاجَّ وتُخاصم [٢]
فانظر لمَن الفلج يومئذ ، ثكلتك اُمّك يابن مرجانة [٣].
فغضب ابن زياد ، واستشاط من كلامها معه
في ذلك المحتشد وهمَّ بها.
فقال له عمرو بن حريث : إنّها امرأة ، وهل
تؤاخذ بشيء من منطقها ، ولا تلام على خطل.
[١] الصواعق المحرقة ص
١١٨ ، وفي تاريخ الطبري ٦ ص ٢٦٢ والبداية والنهاية لابن كثير ٨ ص ١٩٠ ، ومجمع
الزوائد ٩ ص ١٩٥ ، وتاريخ ابن عساكر ٤ ص ٣٤٠ ، ذكروا وانكاره عليه ولا ينافي كونه
أعمى على تقدير صحته ؛ لجواز أنّه سمع بذلك فأنكر عليه. وعبارة ابن عساكر (كان زيد
حاضراً) تؤيّده.