ونادى رافعاً صوته : عليك منّي السّلام
أبا عبد الله [١]
، هذا جدّي قد سقاني بكأسه شربةً لا أظمأ بعدها ، وهو يقول : إنّ لك كأساً مذخورةً
[٢]. فأتاه الحسين (عليه
السّلام) وانكبّ عليه واضعاً خدّه على خدِّه [٣]
وهو يقول : «على الدنيا بعدك العفا ، ما أجرأهم على الرحمن وعلى انتهاك حرمة
الرسول [٤]
، يعزّ على جدّك وأبيك أنْ تدعوهم فلا يجيبونك ، وتستغيث بهم فلا يغيثونك» [٥].
ثمّ أخذ بكفّه من دمه الطاهر ورمى به
نحو السّماء فلَم يسقط منه قطرة ـ وفي هذا جاءت زيارته : «بأبي أنت واُمّي من
مذبوح ومقتول من غير جرم ، بأبي أنت واُمّي دمك المرتقى به إلى حبيب الله ، بأبي
أنت واُمّي من مقدّم بين يدَي أبيك يحتسبك ويبكي عليك محترقاً عليك قلبُه ، يرفع
دمك إلى عنان السّماء لا يرجع منه قطرة ، ولا تسكن عليك من أبيك زفرة» [٦]
ـ.
وأمر فتيانه أنْ يحملوه إلى الخيمة ، فجاؤوا
به إلى الفسطاط الذي يقاتلون أمامه.[٧]
وحرائر بيت الوحي ينظرن إليه محمولاً قد
جللته الدماء بمطارف العزّ حمراء وقد وزع جثمانه الضرب والطعن ، فاستقبلنه بصدور
دامية وشعور منشورة وعولةٍ تصكُّ سمع الملكوت وأمامهنّ عقيلة بني هاشم زينب الكبرى
ابنة فاطمة بنت رسول الله (ص) [٨]
صارخةً نادبةً فألقت بنفسها عليه تضمّ إليها جمام
[٦] كامل الزيارات ص ٢٣٩
: هي صحيحة السند ، علّمها الصادق (ع) أبا حمزة الثمالي ، وسيأتي فيما يتعلّق
بالليلة الحادية عشر نصوص أهل السنّة على احتفاظ النّبي (ص) بدم الأصحاب وأهل بيته.
[٨] في تاريخ الطبري
٦ ص ٢٥٦ ، والبداية لابن كثير ٨ ص ١٨٥ : قال حميد بن مسلم : لمّا قُتل علي الأكبر
، رأيت امرأةً خرجت من الفسطاط تصيح : وآ ابن أخاه! فجاءت وانكبّت عليه فأخذ
الحسين بيدها وردّها إلى الخيمة. فسألت عنها قيل : هذه زينب ابنة فاطمة بنت رسول
الله (صلّى الله عليه وآله).