نام کتاب : روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان نویسنده : الشهيد الثاني جلد : 1 صفحه : 392
وقد عرفت من قريب منع هذا الفريق لإرادة هذا المعنى من قوله عليهالسلام : «لا يفسده شيء» [١] إلى آخره ، فكيف يثبته الآن على خصمه!؟
ومنها : صحيحة
عليّ بن يقطين ، قال : سألت أبا الحسن موسى عن البئر تقع فيها الحمامة أو الدجاجة
أو الفأرة أو الكلب أو الهرّة ، فقال : «يجزئك أن تنزح منها دلاء ، فإنّ ذلك
يطهّرها إن شاء الله تعالى» [٢] والإجزاء ظاهر في الخروج عن عهدة الواجب ، وتطهيرها
بذلك يدلّ على نجاستها بدونه كما تقدّم.
قيل : يرد
عليها عدم الدلالة نصّاً ، فلا يعارض ما تقدّم.
قلنا : النصّ
منتفٍ في الجانبين ، والظاهر موجود فيهما ، فلم يبق إلا الترجيح بأمرٍ آخر ، مع أنّ
دعوى عدم النصّ في هذه موضع نظر.
قيل : التمسّك
بظاهرها لا يستقيم لعدم استواء الكلب والفأرة في الحكم ، وليس حملها على تفسّخ
الفأرة وخروج الكلب حيّاً بأولى من حملها على التغيّر أو إرادة التنظيف.
قلنا : قد دلّت
على النجاسة في الجملة ، وإنّما تختلف في قدر المطهّر بسبب اختلاف أعيان النجاسة ،
وذلك لا يؤثّر في أصل الدلالة.
وأمّا الاعتبار
فهو أنّ البئر لو لم تنجس لم يكن للنزح فائدة ، فيكون عبثاً ، والتالي ظاهر
البطلان لصدوره عمّن لا ينطق عن الهوى ، فالمقدّم مثله ، والملازمة ظاهرة.
وأُجيب : بمنع
الملازمة إذ لا يلزم من انتفاء فائدة مخصوصة انتفاؤها مطلقاً ، ولا يلزم من عدم
العلم بها عدمها ، ومن ثَمَّ قال المصنّف بالاستحباب [٣] ، وهو فائدة ،
والشيخُ في التهذيب بأنّه تعبّد [٤].
وبالجملة ،
فالأخبار متعارضة ، والاعتبار قائم ، وباب التأويل متّسع إلا أنّه خارج عن الحقيقة
غالباً ، والمسألة من أشكل أبواب الفقه ، غير أنّ المعتبر في المصير إلى مثل هذه
الأحكام رجحان ما لأحدهما على ضدّه ، وكأنّه موجود هنا في جانب النجاسة ، والله
أعلم بحقائق أحكامه.