أمّا
اللفظ ، فإنه لم يفصح
عن الموافق لها : هل هو الطاعة أو المعصية؟ وكلّ منهما قابل للأمرين ، فإن النفس
إن كانت مطمئنّة فالذي يوافقها ذاتاً وصفة وهيئة ، ولوناً ورائحة وطعماً ، وطبعاً
ونوعاً وصنفاً هو الطاعة ، والمعصية تخالفها في ذلك كلّه. وإن كانت أمارة فعلى
العكس في ذلك كلّه. وهو رحمهالله قد أجمل ذكر النفس.
وأيضاً فقوله :
( أو إلّا تفعل ) على العكس من ذلك في كلّ منهما ، فالترك لما يوافق المطمئنّة
معصية ، ولما يوافق الأمّارة طاعة. وكلامه كلّه مجمل متشابه غير مبيّن.
وأيضاً فقوله :
( فإن كان ذلك ) ، الإشارة محتملة للموافق فعلاً وتركاً وللمخالف كذلك ، فالعبارة
متشابهة مجملة.
وأمّا
المعنى ، فإنه إن كان
هذا الهمّ المفسّر بحديث النفس ( أن تفعل ) أو ( لا تفعل ) اختياراً ليس معه نيّة
، فلا نعقل الفرق بينه وبين الأوّل ، والأوّل لا ثواب فيه ولا عقاب ، وإلّا لزم
التكليف بالمحال ؛ لأنه لا عن اختيار كما هو الظاهر من عبارته. وإن كانت النيّة
متحقّقة معه ، فلا نعقل الفرق بينه وبين الثالث ، مع أنه ادّعى الإجماع بظاهر
عبارته على أنه يُثاب حينئذٍ على الهمّ كذلك بالطاعة ، وعدم العقاب على الهمّ كذلك
بالمعصية ما لم يفعلها ، بل ظاهر عبارته أنه لا يُعاقب على ذلك الهمّ أصلاً.
نعم ، إن عمل
ما همّ به كذلك من المعصية كتبت عليه تلك المعصية دون الهمّ بها ، وهذا كلّه
بإطلاقه ممنوع لما عرفت. ثم إنه بظاهره حمل أخبار الباب على هذا. وحَملُ الخبر
المذكور على هذا من غير أن يتحقّق معه نيّة ممنوع ؛ لما عرفت ، ولظهور منافاة
العدل في إثابته على ما لم يعمل ولم ينوِ. ومع تحقّق النيّة معه نمنع إطلاق القول
بعدم العقاب على ما نوى ، بل فيه ما مرّ من التفصيل.
وإن أراد بهذا
القسم مبادئ النيّة وأوّل ظهورها في النفس ، بأن تكون حينئذٍ