واعلم أنّ المرجع
الّذي يرجع إليه المجتهد في جميع المسائل الفرعيّة عند الاستنباط منحصر في الدليل
والأصل ، وقد تقدّم الإشارة إلى الفرق بينهما ، وهو أنّ الدليل ما كان متعرّضا
للواقع ناطقا به بإفادته القطع أو الظنّ به كما اشير إليه بوصف التوصّل المأخوذ في
تعريفه الاصطلاحي ، والأصل ما لا تعرّض فيه للواقع أصلا باعتبار دخول الشكّ في
موضوعه ، وهو بهذا المعنى المقابل للدليل منحصر في الاصول الأربع المعروفة : الاستصحاب
، وأصالة البراءة ، وأصالة الاشتغال ، وأصالة التخيير ، والحصر هنا مع مساعدة
الاستقراء التامّ عليه عقليّ دائر بين الإثبات والنفي ، وذلك لأنّ المكلّف بالقياس
إلى واقعة معيّنة إمّا أن يكون غافلا صرفا أو يكون ملتفتا إليها طالبا لمعرفة
حكمها.
والأوّل خارج عن
موضوع البحث ، فإنّه بالقياس إلى الواقعة المغفول عنها بضابطة قبح تكليف الغافل لا
تكليف عليه في تلك الواقعة.
والثاني بعد
استفراغ الوسع إمّا أن يحصل له القطع بحكم الواقعة ، أو يحصل له الظنّ به ، أو لا
يحصل شيء منهما بل يبقى على شكّه ويستقرّ له ذلك الشكّ.
والأوّل خارج عن
معقد البحث ، لأنّ وظيفته حينئذ اتّباع قطعه.
والثاني هو موضوع
حجّيّة الظنّ الّذي عقد له باب على حدة.
والثالث مجرى
الأصل ، وحينئذ فإمّا أن يكون الشكّ المفروض له بحيث يلاحظ معه حالة سابقة أو لا.