اعلم أنّ
الاصوليين وضعوا امورا يرجع إليها لتشخيص موارد ثبوت الوضع عن موارد انتفائه
وتمييز الحقائق عن المجازات ، وسمّوها بعلامات الوضع وأمارات الحقيقة والمجاز ،
وإن اختلفت في كون بعضها ممّا اتّفقوا على كونه أمارة ، لاتّفاقهم فيه على
الملازمة بينه وبين الوضع ثبوتا وانتفاء ، وكون البعض الآخر ممّا اختلفوا في كونه
أمارة وعدمه ، من جهة الاختلاف في الملازمة وعدمها ، وينبغي قبل الخوض في بيانها
التنبيه على عدّة امور مهمّة ، لما في معرفتها من رفع بعض الاشتباهات الحاصلة في
بعض الأمارات ، ودفع بعض الاعتراضات الواردة على بعضها الآخر ، وتأسيس ما يكون
ضابطا كلّيا لمعرفة ما يصلح كونه أمارة وما لا يصلح له.
الأمر
الأوّل : إنّه ينبغي أن يعلم أنّ أمارات الحقيقة والمجاز المعمولة في
باب إثبات الوضع ونفيه ليس حالها كحال الأمارات الشرعيّة المعمولة في الموضوعات
الخارجيّة تعبّدا من الشارع ، فإنّ الأمارات الشرعيّة كالبيّنة وقول العدل الواحد
، وقول ذي اليد ، ويد المسلم وفعله وسوقه ، امور اعتبر فيها الشارع نحو موضوعيّة ،
حيث ليس غرضه من اعتبارها مجرّد إدراك الواقع والوصول إليه ، وإلاّ استحال اعتباره
لها إلاّ على تقدير دوام مصادفتها الواقع. وقد علمنا خلافه ضرورة ، بل الغرض من
اعتبارها ترتيب آثار الواقع ، وإجراء أحكامه على ما هي قائمة عليه