ثم العجب من
شيخنا [١] ـ زيد عمره وفخره ـ أنه استند فيما قدّمنا نقله عنه إلى كلام هذا الفاضل ،
مع أن ما رجّحه هذا الفاضل أخصّ ممّا ذهب إليه هو ـ سلّمه الله تعالى ـ إذ حاصل
كلام الفاضل المذكور بعد الحيرة والتردد في أوّل كلامه : تخصيص المعذوريّة بالجاهل
الذي لا يمكنه الاحتياط على وجه قريب وإن علم أنه مكلّف بالوجوب والحرمة ونحوهما ،
وإلّا لو خصّ المعذوريّة بالجاهل الغير العالم بأنه مكلّف بتلك الأشياء ، لم يعذر
أحد من الجهّال بعد العلم بأنه مكلّف. والرواية بخلافه. هذا خلاصة كلام ذلك الفاضل
قدسسره ، وبه يتّضح لك وجه الغفلة في كلام شيخنا ، أيّده الله
تعالى بتأييده.
أقول : وكلام
هذا الفاضل قدسسره يحوم حول ما قدّمنا تحقيقه ، ولكنه لم يبصر طريقه ؛
فلذا بقي في قالب الالتباس عليه وعلى جملة من الناس. والظاهر أن مراد الشيخ قدسسره ـ فيما نقله عنه في النكاح وإن لم يحضرني الآن صورة
عبارته ـ بالجهل الذي يمكن معه الاحتياط ، ولا يعذر صاحبه هو الجهل بالمعنى الأوّل
الذي هو عبارة عن تصوّر الحكم مع الشكّ فيه ، أو الظنّ وعدم إمكان العلم دون
المعنى الثاني ، وهو الخالي عن تصوّر الحكم بالكلّيّة فإنه ـ كما عرفت ـ لا يتصوّر
الاحتياط في حقّه بالمرة. وهذا التفصيل من الشيخ ، المقتضي لإيجاب الاحتياط في
صورة الجهل بأحد معنييه موافق لما ذهب إليه من التثليث [٢] في الأحكام ،
كما ذكره في كتاب (العدة) [٣] ، وإلّا فمن يقول بالتثنية يعمل في مثل هذه الصورة على
البراءة الأصلية ، ويكون الاحتياط عنده مستحبّا لا واجبا.