ويظهر من كلام بعض
أنّ ترك كلّ مكروه مستحبّ ، كما قال في تمهيد الاصول [١] عند ذكر جواز كون الترك [٢] حكما : إنّ الفقهاء يقولون : يستحبّ ترك كذا وكذا ، إذا
كان فعله مكروها [٣].
وهذا الكلام كما
ترى يشعر بأنّ ترك كلّ مكروه مستحبّ ، فتأمّل.
وتلخيص إيرادنا
على القوم : أنّهم ذكروا أنّ ترك المستحبّ قد يكون مكروها ، وقد لا يكون ،
وبالعكس. وكذا في الواجب والحرام ، مع أنّه إن بني معرفة الأحكام على حدودها يلزم
كلّية الحكم إمّا إيجابا ؛ بناء على عدم الاعتبار المذكور ، أو سلبا ؛ بناء على
وجوده. وإن لم يبن معرفتها عليها ، بل على الأدلّة والقرائن الخارجيّتين ، يلزم
كون الحدود مختلّة.
وإن كان بناء
القوم على كلّيّة الحكم في البعض دون البعض ، مثل أن يقولوا : يكون ترك كلّ واجب
حراما ، وبالعكس ، ولا يقولوا بكون ترك كلّ مستحبّ مكروها ، وبالعكس ، يكون الأمر
أشنع ، والاختلال في كلامهم [٤] أظهر ، كما لا يخفى.
فصل [٢]
اعلم أنّه لمّا
كان البحث في المبادئ الأحكاميّة عن نفس الحكم ، والحاكم ، والمحكوم فيه ،
والمحكوم عليه. ومعرفة الحاكم كانت موقوفة على تحقيق الحسن والقبح حتّى يظهر
أنّهما بأيّ معنى شرعيّان حتّى يكون الحاكم فيهما هو الشارع ، وبأيّ معنى عقليّان
حتّى يكون الحاكم فيهما هو العقل. وهل التلازم بين الشرعيّين والعقليّين ، حتّى
كان الحاكم الشرع والعقل معا؟ جرت عادة القوم هنا بالبحث عن الحسن والقبح ،
وكونهما عقليّين أو شرعيّين.
وتنقيح هذا البحث
موقوف على بيان امور :
[
الأمر ] الأوّل : الحسن والقبح يطلقان على أربعة معان :
الأوّل : استحقاق
المدح والذمّ.
[١] الظاهر مراده
منه هو تمهيد القواعد للشهيد الثاني.