ولا خلاف في كون
المعاني الثلاثة الأخيرة عقليّة ، وإنّما وقع الخلاف في المعنى الأوّل.
فذهب الأشاعرة إلى
أنّهما بهذا المعنى شرعيّان ، ولا سبيل للعقل إلى إدراكهما ، بل موقوفان على أمر
الشارع ونهيه ، ولو أمر بالقبيح ينقلب حسنا ، ولو نهى عن الحسن ينقلب قبيحا [١].
وذهب المعتزلة إلى
أنّهما بهذا المعنى عقليّان ، إلاّ أنّ العقل يدرك حسن بعض الأشياء وقبحها بهذا
المعنى بالضرورة ، وفي بعضها يدركه بالنظر ، وفي بعضها لا يدركه ؛ لقصوره وإن كان
عقليّا ، وهذا كالعبادات وكيفيّاتها وكمّيّاتها [٢].
وهذا مذهب أصحابنا
، وهو الحقّ لوجوه :
منها : أنّ
استحقاق المدح على بعض الأفعال ـ كالإحسان وإغاثة المظلومين ـ والذمّ على بعضها ـ كالظلم
وإعانة الظالمين ـ بديهي ، وإنكاره سفسطة ، ولذا قال بهما وبأمثالهما منكر
والشرائع والنبوّات.
والظاهر أنّ إنكار
الأشاعرة في مقام الجدال وهم في حين الغفلة يعترفون به ، سيّما في مقام الموعظة
والنصيحة ، كما يظهر من كتاب إحياء العلوم وغيره من كتبهم [٣].
وأيضا إنّهم
يقولون بالقياس والاستحسان ولا يتمّان بدون القول به.
ومنها : لو لم يكن
الحسن والقبح عقليّين ، لم يقبح من الله شيء. ويلزم منه ثلاثة محالات :
عدم قبح كذبه
تعالى ، فيرتفع الوثوق بوعده ووعيده ، ولا يمكن إثبات صدقه تعالى بالسمع ؛ لأنّ
ثبوته موقوف على صدقه تعالى.
وجواز أن يظهر
الله المعجزة على يد الكاذب ، فلا يعرف النبيّ من المتنبّئ.
وجواز نسبة
التثليث ، والكفو ، والولد ، وأمثالها إليه تعالى.