على شيء منهما.
فالأقسام ستّة ، وكلّ منها يمكن أن يشتمل تركه بالترديد على الأقسام المذكورة ،
فيصير الحاصل ستّة وثلاثين.
ثمّ المتحقّق في
كلّ واحد منها ـ من المصلحة والمفسدة وجودا وعدما ـ إمّا قطعيّ أو ظنّيّ ، وعلى
التقديرين إمّا كلّيّ أو جزئيّ ، وعلى التقادير إمّا أن يكون المصلحة ضروريّة ـ أي
ليس لها بدل ـ أو لا ، فيرتقي الأقسام إلى حدّ لا يحصى كثرة. ولا ريب في حجّيّة
مصلحة صافية قطعيّة ضروريّة ، كلّيّة كانت أو جزئيّة إذا لم يشتمل تركها قطعا على
مصلحة مطلقا ، سواء اشتمل على مفسدة أو لا ؛ لأنّها تكون معتبرة ؛ لأنّ كلّ مصلحة
صافية قطعيّة معتبرة عند الشرع والعقل. والمرسلة ما كانت متردّدة بين المعتبرة
والملغاة إمّا لعدم القطع بكونها مصلحة في نفسها ، أو لأدائها إلى مفسدة. وغيرها
من الأقسام ليس بحجّة. ووجهه ما تقدّم [١].
ولنذكر مسألة
فرعيّة ليعرف كيفيّة التفريع ، مثلا إذا مرضت حامل وقطع بكون إخراج الدم ـ لا غير
ـ شفاء لها ، وعلم عدم أدائه إلى فساد الحمل يجب فعله. وإن لم يقطع به أو قطع به
وعلم بدله أو فساد الحمل ، لم يجب.
وقال بعضهم
بحجّيّتها إذا كانت ضروريّة قطعيّة كلّيّة وإن أدّت إلى مفسدة اخرى ، قالوا : إذا
تترّس الكفّار من أهل الحرب بالاسارى من المسلمين ، يجوز رميهم وإن أدّى إلى تلف
الاسارى ؛ إذا علم أنّه إن [٢] لم يرموا ظهروا على الإسلام ، وهذه ضروريّة ؛ لأنّ دفعهم
لا يمكن بدون الرمي ، وقطعيّة ؛ لأنّ الرمي بدفعهم قطعيّ ، وكلّية ؛ لأنّ الضرر
يعمّ المسلمين [٣].
وهذا القول ظاهر
الفساد ؛ لأنّ الشارع قد نهى عن المفسدة المترتّبة مطلقا ، فكيف يكلّف بما يؤدّي
إليها؟! وجواز الرمي عند التترّس لو صحّ ـ كما قال به أصحابنا [٤] ـ فإنّما هو بدليل من خارج ، ولذا لم يجوّزوا قتل من قطع بأنّه لو لم يقتل
صار سببا لقتل جماعة بالسعاية عند ظالم ، وعلى القول المذكور يلزم وجوب قتله.
[٣] نسبه الآمدي في
الإحكام في أصول الأحكام ٤ : ١٦٧ ، إلى مالك في مبحث « المصالح الضروريّة الكلّيّة
الحاصلة قطعا » وحكاه المحقّق الحلّي في معارج الاصول : ٢٢٣ ، وذهب إليه البيضاوي
في منهاج الاصول المطبوع مع نهاية السؤل ٤ : ٣٨٧ ، واختاره الأسنوي ونسبه أيضا إلى
إمام الحرمين في نهاية السؤل ٤ : ٣٨٧.