وإمّا أن يكون
الأصل فيه الحرمة ويشكّ في سبب الإباحة ، كمثال الثوب المخلوط من الحرير وغيره ،
والجلد المطروح مع عدم قيام قرينة معيّنة ، فالظاهر من كلام جماعة البناء على
التحريم [١]. هذا ، إلاّ أن يغلب على الظنّ تأثير السبب.
وإمّا أن يتساوى
فيه الاحتمالان ، كطين الطريق ، وثياب مدمن الخمر ، والحكم فيه أيضا الإباحة كالأوّل
، ووجهه ظاهر ممّا تقدّم [٢].
ثمّ أكثر
الاصوليّين قسّموا الشبهة في الموضوع إلى الشبهة في المحصور والشبهة في غيره ،
وأوجبوا الاجتناب في الاولى دون الثانية [٣]. ومرادهم من غير
المحصور ما كان كذلك عادة ـ بمعنى ـ تعسّر حصره ـ لا ما امتنع حصره ؛ لأنّ كلّ ما
يوجد من الأعداد قابل للعدّ.
واحتجّوا عليه
بأنّ القطع حاصل بوجود الحرام أو النجس بين الامور المحصورة ، فالحكم بحلّيّة
الجميع مستلزم للحكم بحلّيّة الحرام القطعيّ ، والحكم بحلّيّة واحد منها دون غيره
ترجيح بلا مرجّح. وهذا وإن كان جاريا في غير المحصور أيضا إلاّ أنّ التنزّه فيه عن
الجميع يوجب الحرج المنفيّ بخلاف المحصور [٤].
وفيه : أنّ هذا
ممنوع ؛ لأنّه كما يمكن الاجتناب عن الإناءين ، يمكن الاجتناب عن الأواني الكثيرة
والرجوع إلى ماء آخر ، أو التيمّم من غير حرج. والاحتجاج على وجوب الاجتناب في
المحصور بأنّه من باب ما لا يتمّ الواجب إلاّ به [٥] ، يجري في غيره أيضا.
والجواب بأنّ
الواجب مقدّمة واجب قطعيّ متعيّن وهنا ليس كذلك. ولو سلّم نقول : التخصيص جائز ؛
للأدلّة.
والحقّ ـ كما ذهب
إليه بعض المحقّقين [٦] ـ : أنّ الحكم فيهما واحد وهو الإباحة ؛ لعموم
[١] قاله العلاّمة
في تحرير الأحكام ٢ : ١٥١ ، والشهيد في ذكرى الشيعة ٣ : ٢٨ ، والشهيد الثاني في
تمهيد القواعد : ٣١١ ، القاعدة ٩٩.
[٣] قاله الشهيد
الثاني في روض الجنان ٢ : ٥٩٩ ، والكركي في جامع المقاصد ٢ : ١٦٦ ، والبحراني في
الحدائق الناضرة ١ : ٥٠٣ ، والوحيد البهبهاني في الفوائد الحائريّة : ٢٤٧.
[٤] قاله الشهيد
الثاني في روض الجنان ٢ : ٥٩٩ ، والكركي في جامع المقاصد ٢ : ١٦٦ ، والبحراني في
الحدائق الناضرة ١ : ٥٠٣ ، والوحيد البهبهاني في الفوائد الحائريّة : ٢٤٧.