الذي هو قدر مشترك
بين جميعها ، وأيّتها وجدت يتحقّق القدر المشترك فيها ، فلا يجب فعل كلّ واحد من
الأفراد ؛ لتحقّق المأمور به بدونه ، ولا فعل واحد معيّن منها ؛ لعدم تعلّق الوجوب
به بخصوصه ، ولا يجوز الإخلال بكلّ واحد منها لا إلى بدل ؛ لعدم تحقّق المأمور به
حينئذ ؛ فالواجب حينئذ واحد منها لا على التعيين. فالتخيير حينئذ بين الأفراد ،
بمعنى أنّ المكلّف مخيّر بين كلّ واحد منها وبين الأفراد الأخر ، وأيّها فعل كان
واجبا بالأصالة ، ولا يتخيّر بين المأمور به الذي هو القدر المشترك والمفهوم
الكلّي ؛ لأنّه أمر واحد لا تعدّد فيه حتّى يعقل التخيير فيه. وهذا هو الذي اختاره
أصحابنا [١] ورؤساء المعتزلة [٢].
والدليل عليه
الإجماع ، والتنصيص عليه في موارد مخصوصة ، وهي لا تحتمل سوى التخيير ؛ لأنّه إذا
قال رجل لغيره : « افعل أحد هذين ، واختر أيّهما شئت ، ولا يجوز لك تركهما معا ،
ولا يجب عليك فعلهما معا » لا يفهم منه سوى التخيير بالمعنى الذي ذكرناه.
وذهب الأشاعرة إلى
أنّ الواجب واحد غير معيّن يتعيّن بفعل المكلّف [٣]. والظاهر ـ كما قال الإمام الرازي [٤] ـ إنّ هذا راجع
إلى مذهب التخيير ، فلا نزاع معنى. ولو أرادوا غيره ، فلا ريب في بطلانه.
وقال بعض المعتزلة
: الواجب هو الجميع ، ولكن يسقط بواحد [٥].
ويدلّ على فساده
أنّه لو وجب الجميع ، لكان اللازم الإتيان به ، ولم يبق للتخيير حينئذ معنى. ولا
أدري من أين يفهم من موارد التخيير وجوب الجميع وإسقاطه بواحد ؛ فإنّه لا دلالة
عليه بواحدة من الثلاث.
وقال بعض : إنّ
الواجب واحد معيّن ، لكن يسقط به وبكلّ واحد من الأفراد الأخر [٦].
[١] منهم : السيّد
المرتضى في الذريعة إلى أصول الشريعة ١ : ٨٨ ، والعلاّمة في مبادئ الوصول : ١٠٢ ،
والشهيد الثاني في تمهيد القواعد : ٥١ ، القاعدة ٩.
[٢] منهم البصري في
المعتمد ١ : ٧٧ ، ونسبه أيضا إلى أبي علي وأبي هاشم في ص ٧٩ ، والفخر الرازي في
المحصول ٢ : ١٥٩.
[٣] حكاه الفخر
الرازي في المحصول ٢ : ١٥٩ ، والآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ١ : ١٤١ ، والشيخ
حسن في معالم الدين : ٧٢.