فلا يصح
الاستدلال بشيء من هذه الاخبار ، على أن المراد بالوضوء المذكور فيها فضلا عن
المذكور في غيرها هو المعنى اللغوي ، فما جعله دليلا على وجوب العدول عن ظاهر
الخبر الاول غير صالح له ، بل هو باق على ظاهره ، كما ستطلع عليه إن شاء الله.
قال ابن الاثير
في النهاية : الوضوء بالفتح الماء الذي يتوضأ به ، كالفطور والسحور لما يفطر عليه
ويتسحر به ، والوضوء بالضم : التوضؤ والفعل نفسه ، يقال : توضأت أتوضأ توضؤاً
ووضوءاً ، وقد أثبت سيبويه الوضوء والطهور والوقود بالفتح في المصادر ، فهي تقع
على الاسم والمصدر ، وأصل الكلمة من الوضاءة وهي الحسن ، ووضوء الصلاة معروف ، وقد
يراد به غسل بعض الاعضاء.
ومنه الحديث «
توضؤوا مما غيرت النار » أراد به غسل الايدي والافواه من الزهومة. وقيل : أراد به
وضوء الصلاة ، وقد ذهب اليه قوم من الفقهاء ، ومنه حديث الحسن « الوضوء بعد الطعام
ينفي الفقر وقبله ينفي اللمم ».
كذا في نسخة
عندنا ، والصواب ما نقله عنه السيد فيما مضى أنه قال : الوضوء قبل الطعام ينفي
الفقر وبعده ينفي اللمم ، وقد ورد مثله في أخبارنا أيضاً.
ثم قال ابن
الاثير : ومنه حديث قتادة « من غسل يده فقد توضأ » [١].
ويمكن أن
يستفاد من تضاعيف البحث أن الخبر الاول كان محكماً في برهة من الزمان ، ثم نسخ
بفعله صلىاللهعليهوآله ، واليه يشير خبر ابن عباس وأم سلمة وجابر ابن عبد الله
الانصاري ، اذ الوضوء فيها محمول على معناه الشرعي ، ويدل على أنه صلىاللهعليهوآله كان يتوضأ وضوء الصلاة من مس ما غيرته النار ، ثم ترك
الوضوء منه في أواخر عمره.
[١] نهاية ابن
الاثير ٥ / ١٩٥ ، وفيه الوضوء قبل الطعام الى آخره.