وفي التعبير عن
تلك الهداية بالتذكرة إشارة إلى ما هو المقرّر في مقامه من أنّ النفوس الإنسانيّة
كانت من أوّل الأمر صافية عن الكدورات والغفلات ، عارفة بطريق الخير والشرّ ،
وبأنّ الخير هو الّذي ينبغي الاشتغال به ، والشرّ هو الّذي ينبغي الإعراض عنه ،
ولكن كدّرها التوجّهات والتعلّقات الدنيويّة ، فأنستها ذلك العرفان حتّى جهلت
مصالحها ومفاسدها ، وضلّت عن طريق هدايتها.
فإذا دعاها داع
إلى الحقّ بالمواعظ والنصائح ، والتأديبات الأخلاقيّة ، والتعليمات الذوقانيّة ؛
كانت تلك الدعوة تذكرة لها بما كانت به عارفة ، فنسيته بكثرة التعلّقات ، وهجوم
أغبرة التوجّهات ؛ كما قال : (وَذَكِّرْهُمْ
بِأَيَّامِ اللهِ)[٢] أي بأيّام عهد الله ، وأخذ ميثاقه عليهم.
وهذا هو السرّ
في استعدادها لإدراك المعارف الحقّانيّة ، والعلوم الربّانيّة بعد التعلّم من أولي
الألباب الصافية ؛ إذ لو لم تكن مسبوقة بالهداية الأوّليّة لما كانت متذكّرة بتلك
الهداية في لاحق الأمر.
فهذه المعارف
والحقائق فطريّة مكنونة في فطر الناس ؛ كما قال : كلّ مولود ولد على فطرة التوحيد.
أي الهداية ، إلّا أنّ السبب لبروزها وظهورها ليس إلّا المجاهدة والسعي في تحصيلها
بالاتّعاظ بالمواعظ الإلهيّة ، والاستماع للكلمات الربّانيّة ، ليتذكّر بتلك
التذكرة ، ويتبصّر بهذه التبصرة.