الموعود بسبب ذلك الإعراض ، ويذرون وراءهم يوما ثقيلا ، وثقله : شدّته.
أقول : لقد ظهر
من ذلك وجه المناسبة بين الآية وما تقدّمها ، فإنّ فيها إشارة إلى أنّ الّذين
يؤثرون اللذّة الفانية على اللذّة الروحانيّة العقلانيّة ، ويحبّون الحياة العاجلة
بالميل النفسانيّ ما زكّوا نفوسهم بالزهد عن كلّ شيء ، والسير إلى الله ، وتبديل
مساوئها بالمحاسن الأخلاقيّة ، وتصفيتها عن الأغراض الفاسدة بإخلاص العمل لوجه
الحيّ القديم من العجب والرياء والنفاق والسمعة وغير ذلك من الأغراض الّتي تميت
القلب والعقل ، وتزيل ملكة الاستبصار ، وتحرم صاحبها عن مشاهدة الأنوار ، ومخاطرة
الأسرار.
كيف ولا يفوز
العبد بالقرب السبحانيّ ، والجذب الأزلانيّ إلّا بعد أن يكون همّه الانقطاع عن كلّ
شيء إلى خالق كلّ شيء ، والافتراق عن محبّة كلّ شيء ؛ راغبا في حبّ بارئ كلّ شيء.
ولا يلوح نور
عقل العبد في قلبه إلّا بعد رعاية أمور ثلاثة :
الأوّل : قصر
الأمل باستقراب الأجل ، فإنّه حينئذ يرغب عن الدنيا إلى الآخرة ، ويؤثر اللذّة
الآجلة على العاجلة ، ولا يزال يجتهد في اجتناء ثمرات الهداية عن أغصان شجرة
السعادة ، واقتناء الجواهر الساذجة من معادن الزهادة ، ويتذكّر لما أعدّ للمؤمن
وهيّئ للكافر بعد الموت من القرب والبعد ، والثواب والعقاب ، فيحبّ لقاء الله ،
ويكره الاجتماع مع غير الله.
الثاني :
التأمّل في القرآن وما فيه من المواعظ والزواجر والأحكام والقصص والأمثال وغير ذلك
ممّا ينوّر الاعتبار به ، والتدبّر فيه القلب ، ويشرح الصدر ، ويحيي العقل ، ويميت
النفس ؛ كما لا يخفى على الفائز