التِّرْمِذِيُّ،عَنْ عَبْدِ الْمُنْعِمِ بْنِ إِدْرِيسَ،عَنْ أَبِيهِ،عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ: أَنَّ الرِّيحَ الْعَقِيمَ تَحْتَ هَذِهِ الْأَرْضِ الَّتِي تَحْتَ هَذِهِ الْأَرْضِ الَّتِي نَحْنُ عَلَيْهَا،قَدْ زُمَّتْ بِسَبْعِينَ أَلْفَ زِمَامٍ مِنْ حَدِيدٍ،قَدْ وُكِّلَ بِكُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ،فَلَمَّا سَلَّطَهَا اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَى عَادٍ،اسْتَأْذَنَتْ خَزَنَةُ الرِّيحِ رَبَّهَا عَزَّ وَ جَلَّ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهَا فِي مِثْلِ مَنْخِرَيِ الثَّوْرِ،وَ لَوْ أَذِنَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لَهَا مَا تَرَكَتْ شَيْئاً عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ إِلاَّ أَحْرَقَتْهُ،فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَى خَزَنَةِ الرِّيحِ:أَنْ أَخْرِجُوا مِنْهَا مِثْلَ ثَقْبِ الْخَاتَمِ فَأُهْلِكُوا بِهَا.وَ بِهَا يَنْسِفُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ الْجِبَالَ نَسْفاً،وَ التِّلاَلَ وَ الْآكَامَ وَ الْمَدَائِنَ وَ الْقُصُورَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَّ: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبٰالِ فَقُلْ يَنْسِفُهٰا رَبِّي نَسْفاً* فَيَذَرُهٰا قٰاعاً صَفْصَفاً* لاٰ تَرىٰ فِيهٰا عِوَجاً وَ لاٰ أَمْتاً [1]،وَ الْقَاعُ:اَلَّذِي لاَ نَبَاتَ فِيهِ،وَ الصَّفْصَفُ:اَلَّذِي لاَ عِوَجَ فِيهِ،وَ الْأَمْتُ:اَلْمُرْتَفِعُ،وَ إِنَّمَا سُمِّيَتِ الْعَقِيمَ لِأَنَّهَا تَلَقَّحَتْ بِالْعَذَابِ،وَ تَعَقَّمَتْ عَنِ الرَّحْمَةِ كَتَعَقُّمِ الرَّجُلِ إِذَا كَانَ عَقِيماً لاَ يُولَدُ لَهُ،وَ طَحَنَتْ تِلْكَ الْقُصُورَ وَ الْمَدَائِنَ وَ الْمَصَانِعَ،حَتَّى عَادَ ذَلِكَ كُلُّهُ رَمْلاً رَقِيقاً تَسْفِيهِ الرِّيحُ،فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَّ: مٰا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاّٰ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ [2].
وَ إِنَّمَا كَثُرَ الرَّمْلُ فِي تِلْكَ الْبِلاَدِ،لِأَنَّ الرِّيحَ طَحَنَتْ تِلْكَ الْبِلاَدَ وَ عَصَفَتْ عَلَيْهِمُ سَبْعَ لَيَالٍ وَ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً،فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٌ،وَ الْحُسُومُ:اَلدَّائِمَةُ،وَ يُقَالُ:اَلْمُتَتَابِعَةُ الدَّائِمَةُ.وَ كَانَتْ تَرْفَعُ الرِّجَالَ وَ النِّسَاءَ فَتَهُبُّ بِهِمْ صُعُداً،ثُمَّ تَرْمِي بِهِمْ مِنَ الْجَوِّ،فَيَقَعُونَ عَلَى رُؤُوسِهِمْ مُنَكَّسَيْنِ،تَقْلَعُ الرِّجَالَ وَ النِّسَاءَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ،ثُمَّ تَرْفَعُهُمْ،فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَّ: تَنْزِعُ النّٰاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجٰازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ ،وَ النَّزْعُ:
الْقَلْعُ،وَ كَانَتِ الرِّيحُ تَعْصَفُ الْجَبَلَ كَمَا تَعْصَفُ الْمَسَاكِنَ فَتَطْحَنُهَا،ثُمَّ تَعُودُ رَمْلاً رَقِيقاً،فَمِنْ هُنَاكَ لاَ يُرَى فِي الرَّمْلِ جَبَلُ،وَ إِنَّمَا سُمِّيَتْ عَادٌ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ،مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْلَخُونَ الْعَمَدَ مِنَ الْجِبَالِ،فَيَجْعَلُونَ طُولَ الْعَمَدِ مِثْلَ طُولِ الْجَبَلِ الَّذِي يَسْلَخُونَهُ مِنَ أَسْفَلِهِ إِلَى أَعْلاَهُ،ثُمَّ يَنْقُلُونَ تِلْكَ الْعَمَدَ فَيَنْصِبُونَهَا،ثُمَّ يَبْنُونَ الْقُصُورَ عَلَيْهَا، فَسُمِّيَتْ ذَاتَ الْعِمَادِ لِذَلِكَ.
[1] طه:2:105-107.
[2] الذاريات 51:42.