الْقَرْيَةِ مِنَ الْقَرْيَةِ،وَ أَلْقَوْهُ فِي الْمَزْبَلَةِ خَارِجَ الْقَرْيَةِ.وَ كَانَتِ امْرَأَتُهُ رَحْمَةَ [1] بِنْتَ يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ(صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَ عَلَيْهَا)تَتَصَدَّقُ مِنَ النَّاسِ وَ تَأْتِيهِ بِمَا تَجِدُهُ.
قَالَ:فَلَمَّا طَالَ عَلَيْهِ الْبَلاَءُ،وَ رَأَى إِبْلِيسُ صَبْرَهُ أَتَى أَصْحَاباً لَهُ كَانُوا رُهْبَاناً فِي الْجِبَالِ،فَقَالَ:مُرُّوا بِنَا إِلَى هَذَا الْعَبْدِ الْمُبْتَلَى،نَسْأَلْهُ عَنْ بَلِيَّتِهِ.فَرَكِبُوا بِغَالاً شُهْباً وَ جَاءُوا،فَلَمَّا دَنَوْا مِنْهُ نَفَرَتْ بِغَالُهُمْ مِنْ نَتْنِ رِيحِهِ،فَقَرَّبُوا [2] بَعْضاً إِلَى بَعْضٍ،ثُمَّ مَشَوْا إِلَيْهِ،وَ كَانَ فِيهِمْ شَابٌّ حَدَثُ السِّنِّ،فَقَعَدُوا إِلَيْهِ،فَقَالُوا:يَا أَيُّوبُ،لَوْ أَخْبَرْتَنَا بِذَنْبِكَ لَعَلَّ اللَّهَ يُجِيبُنَا إِذَا سَأَلْنَاهُ،وَ مَا نَرَى ابْتِلاَءَكَ بِهَذَا الْبَلاَءِ الَّذِي لَمْ يُبْتَلَ بِهِ أَحَدٌ إِلاَّ مِنْ أَمْرٍ كُنْتَ تَسْتُرُهُ.
فَقَالَ أَيُّوبُ:وَ عِزَّةِ رَبِّي إِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنِّي مَا أَكَلْتُ طَعَاماً إِلاَّ وَ يَتِيمٌ أَوْ ضَعِيفٌ [3] يَأْكُلُ مَعِي،وَ مَا عَرَضَ لِي أَمْرَانِ كِلاَهُمَا طَاعَةٌ لِلَّهِ إِلاَّ أَخَذْتُ بِأَشَدِّهِمَا عَلَى بَدَنِي.
فَقَالَ الشَّابُّ:شَوْهٌ [4] لَكُمْ،عَمَدْتُمْ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ فَعَيَّرْتُمُوهُ حَتَّى أَظْهَرَ مِنْ عِبَادَةِ رَبِّهِ مَا كَانَ يَسْتُرُهَا.
فَقَالَ:أَيُّوبُ:يَا رَبِّ،لَوْ جَلَسْتُ مَجْلِسَ الْحَكَمِ مِنْكَ لَأَدْلَيْتُ بِحُجَّتِي.فَبَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِ غَمَامَةً،فَقَالَ:يَا أَيُّوبُ، أَدْلِ بِحُجَّتِكَ،فَقَدْ أَقْعَدْتُكَ مَقْعَدَ الْحَكَمِ،وَ هَا أَنَا ذَا قَرِيبٌ،وَ لَمْ أَزُلْ.فَقَالَ:يَا رَبِّ،إِنَّكَ لَتَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَعْرِضْ لِي أَمْرَانِ قَطُّ كِلاَهُمَا لَكَ طَاعَةٌ إِلاَّ أَخَذْتُ بِأَشَدِّهِمَا عَلَى نَفْسِي،أَ لَمْ أَحْمَدْكَ،أَ لَمْ أَشْكُرْكَ،أَ لَمْ أُسَبِّحْكَ؟».قَالَ:
«فَنُودِيَ مِنَ الْغَمَامَةِ بِعَشَرَةِ آلاَفِ لِسَانٍ:يَا أَيُّوبُ،مَنْ صَيَّرَكَ تَعْبُدُ اللَّهَ وَ النَّاسُ عَنْهُ غَافِلُونَ،وَ تَحْمَدُهُ،وَ تُسَبِّحُهُ، وَ تُكَبِّرُهُ،وَ النَّاسُ عَنْهُ غَافِلُونَ،أَ تَمُنُّ عَلَى اللَّهِ بِمَا لِلَّهِ فِيهِ الْمِنَّةُ عَلَيْكَ؟قَالَ:فَأَخَذَ أَيُّوبُ التُّرَابَ،فَوَضَعَهُ فِي فِيهِ،ثُمَّ قَالَ:لَكَ الْعُتْبَى يَا رَبِّ،أَنْتَ فَعَلْتَ ذَلِكَ بِي.فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ مَلَكاً فَرَكَضَ بِرِجْلِهِ،فَخَرَجَ الْمَاءُ،فَغَسَّلَهُ بِذَلِكَ الْمَاءِ، فَعَادَ أَحْسَنَ مَا كَانَ،وَ أَطْرَأَ،وَ أَنْبَتَ اللَّهُ عَلَيْهِ رَوْضَةً خَضْرَاءَ،وَ رَدَّ عَلَيْهِ أَهْلَهُ،وَ مَالَهُ،وَ وُلْدَهُ،وَ زَرْعَهُ،وَ قَعَدَ مَعَهُ الْمَلَكُ يُحَدِّثُهُ وَ يُؤْنِسُهُ.
فَأَقْبَلَتْ امْرَأَتُهُ وَ مَعَهَا الْكِسَرُ،فَلَمَّا انْتَهَتْ إِلَى الْمَوْضِعِ إِذاً الْمَوْضِعُ مُتَغَيِّرُ،وَ إِذَا رَجُلاَنِ جَالِسَانِ،فَبَكَتْ، وَ صَاحَتْ،وَ قَالَتْ:يَا أَيُّوبُ،مَا دَهَاكَ؟فَنَادَاهَا أَيُّوبُ،فَأَقْبَلَتْ،فَلَمَّا رَأَتْهُ وَ قَدْ رَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ بَدَنَهُ وَ نِعَمَهُ،سَجَدَتْ لِلَّهِ شُكْراً،فَرَأَى ذَوَائِبَهَا مَقْطُوعَةً،وَ ذَلِكَ أَنَّهَا سَأَلَتْ قَوْماً أَنْ يُعْطُوهَا مَا تَحْمِلُهُ إِلَى أَيُّوبَ مِنَ الطَّعَامِ،وَ كَانَتْ حَسَنَةَ الذَّوَائِبِ،فَقَالُوا لَهَا:تَبِيعِينَا ذَوَائِبَكِ حَتَّى نُعْطِيَكِ؟فَقَطَعَتْهَا وَ دَفَعَتْهَا إِلَيْهِمْ،فَأَخَذَتْ مِنْهُمْ طَعَاماً لِأَيُّوبَ،فَلَمَّا رَآهَا مَقْطُوعَةَ الشَّعْرِ غَضِبَ،وَ حَلَفَ عَلَيْهَا أَنْ يَضْرِبَهَا مِائَةً،فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهُ كَانَ سَبَبُهُ كَيْتَ وَ كَيْتَ،فَاغْتَمَّ أَيُّوبُ مِنْ ذَلِكَ، فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَيْهِ: وَ خُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَ لاٰ تَحْنَثْ ،فَأَخَذَ مِائَةَ شِمْرَاخٍ،فَضَرَبَهَا ضَرْبَةً وَاحِدَةً فَخَرَجَ مِنْ يَمِينِهِ.
ثُمَّ قَالَ: وَ وَهَبْنٰا لَهُ أَهْلَهُ وَ مِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنّٰا وَ ذِكْرىٰ لِأُولِي الْأَلْبٰابِ ،قَالَ:فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ أَهْلَهُ الَّذِينَ
[1] في المصدر:رحيمة.
[2] في المصدر:فقرنوا.
[3] في المصدر:ضيف.
[4] في المصدر:سوأة،و في نسخة من«ط،ي»:سوء.