تِجَارَةٍ لَهَا،فَرَأَى زَيْداً يُبَاعُ،وَ رَآهُ غُلاَماً كَيِّساً حَصِيفاً [1]،فَاشْتَرَاهُ،فَلَمَّا نُبِّئَ رَسُولُ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)دَعَاهُ إِلَى الْإِسْلاَمِ فَأَسْلَمَ،وَ كَانَ يُدْعَى زَيْدٌ مَوْلَى مُحَمَّدٍ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ).
فَلَمَّا بَلَغَ حَارِثَةَ بْنِ شَرَاحِيلَ الْكَلْبِيِّ خَبَرُ وَلَدِهِ زَيْدٍ قَدِمَ مَكَّةَ،وَ كَانَ رَجُلاً جَلِيلاً،فَأَتَى أَبَا طَالِبٍ،فَقَالَ:يَا أَبَا طَالِبٍ،إِنَّ ابْنِي وَقَعَ عَلَيْهِ السَّبْيُ،وَ بَلَغَنِي أَنَّهُ صَارَ إِلَى ابْنِ أَخِيكَ،فَاسْأَلْهُ،إِمَّا أَنْ يَبِيعَهُ،وَ إِمَّا أَنْ يُفَادِيَهُ،وَ إِمَّا أَنْ يُعْتِقَهُ.فَكَلَّمَ أَبُو طَالِبٍ رَسُولَ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)،فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ):هُوَ حُرٌّ،فَلْيَذْهَبْ حَيْثُ شَاءَ.فَقَامَ حَارِثَةُ فَأَخَذَ بِيَدِ زَيْدٍ،فَقَالَ لَهُ:يَا بُنَيَّ،الْحَقْ بِشَرَفِكَ وَ حَسَبِكَ.فَقَالَ زَيْدٌ:لَسْتُ أُفَارِقُ رَسُولَ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)أَبَداً.
فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ:فَتَدَعُ حَسَبَكَ وَ نَسَبَكَ،وَ تَكُونُ عَبْداً لِقُرَيْشٍ؟فَقَالَ زَيْدٌ:لَسْتُ أُفَارِقُ رَسُولَ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)مَا دُمْتُ حَيّاً.فَغَضِبَ أَبُوهُ،فَقَالَ:يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ،اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ بَرِئْتُ مِنْ زَيْدِ،وَ لَيْسَ هُوَ ابْنِي.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ):اِشْهَدُوا أَنَّ زَيْداً ابْنِي،أَرِثُهُ وَ يَرِثُنِي.وَ كَانَ زَيْدٌ يُدْعَى ابْنَ مُحَمَّدٍ،وَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)يُحِبُّهُ،وَ سَمَّاهُ:زَيْدَ الْحُبِّ.
فَلَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)إِلَى الْمَدِينَةِ زَوَّجَهُ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ،فَأَبْطَأَ عَنْهُ يَوْماً،فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)مَنْزِلَهُ يَسْأَلُ عَنْهُ،فَإِذَا زَيْنَبُ جَالِسَةٌ وَسَطَ حُجْرَتِهَا تَسْحَقُ طِيباً بِفِهْرٍ [2] لَهَا،فَنَظَرَ إِلَيْهَا،وَ كَانَتْ جَمِيلَةً حَسَنَةً،فَقَالَ:سُبْحَانَ اللَّهِ خَالِقِ النُّورِ،وَ تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ!ثُمَّ رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)إِلَى مَنْزِلِهِ،وَ وَقَعَتْ زَيْنَبُ فِي قَلْبِهِ مَوْقِعاً عَجِيباً،وَ جَاءَ زَيْدٌ إِلَى مَنْزِلِهِ،فَأَخْبَرَتْهُ زَيْنَبُ بِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)، فَقَالَ لَهَا زَيْدٌ:هَلْ لَكِ أَنْ أُطَلِّقَكِ حَتَّى يَتَزَوَّجَكِ رَسُولُ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)؟فَلَعَلَّكِ قَدْ وَقَعْتِ فِي قَلْبِهِ.فَقَالَتْ:أَخْشَى أَنْ تُطَلِّقَنِي وَ لاَ يَتَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ).
فَجَاءَ زَيْدٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)،فَقَالَ:بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي-يَا رَسُولَ اللَّهِ-أَخْبَرَتْنِي زَيْنَبُ بِكَذَا وَ كَذَا،فَهَلْ لَكَ أَنْ أُطَلِّقَهَا حَتَّى تَتَزَوَّجَهَا؟فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ):اِذْهَبْ،وَ اتَّقِ اللَّهَ،وَ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكِ،ثُمَّ حَكَى اللَّهُ،فَقَالَ: أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَ اتَّقِ اللّٰهَ وَ تُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللّٰهُ مُبْدِيهِ وَ تَخْشَى النّٰاسَ وَ اللّٰهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشٰاهُ فَلَمّٰا قَضىٰ زَيْدٌ مِنْهٰا وَطَراً زَوَّجْنٰاكَهٰا إِلَى قَوْلِهِ: وَ كٰانَ أَمْرُ اللّٰهِ مَفْعُولاً [3]فَزَوَّجَهُ اللَّهُ مِنْ فَوْقِ عَرْشِهِ،فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ:يُحَرِّمُ عَلَيْنَا نِسَاءَ أَبْنَائِنَا وَ يَتَزَوَّجُ امْرَأَةَ ابْنِهِ زَيْدٍ!فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي هَذَا: وَ مٰا جَعَلَ أَدْعِيٰاءَكُمْ أَبْنٰاءَكُمْ إِلَى قَوْلِهِ: يَهْدِي السَّبِيلَ .ثُمَّ قَالَ: اُدْعُوهُمْ لِآبٰائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللّٰهِ إِلَى قَوْلِهِ: وَ مَوٰالِيكُمْ ».
فَاعْلَمْ أَنَّ زَيْداً لَيْسَ ابْنَ مُحَمَّدٍ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)،وَ إِنَّمَا ادَّعَاهُ لِلسَّبَبِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ،وَ فِي هَذَا أَيْضاً مَا نَكْتُبُهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ،فِي قَوْلِهِ: مٰا كٰانَ مُحَمَّدٌ أَبٰا أَحَدٍ مِنْ رِجٰالِكُمْ وَ لٰكِنْ رَسُولَ اللّٰهِ وَ خٰاتَمَ النَّبِيِّينَ وَ كٰانَ اللّٰهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً [4].
[1] الحصيف:الجيد الرأي المحكم العقل.«لسان العرب-حصف-9:48».
[2] )الفهر:الحجر قدر ما يدق به الجوز و نحوه.«لسان العرب-فهر-5:66».
[3] الأحزاب 33:37.
[4] الأحزاب 33:40.