مُسْلِمٍ،عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)،قَالَ: «إِنَّ مُوسَى لَمَّا حَمَلَتْ بِهِ أُمُّهُ،لَمْ يَظْهَرْ حَمْلُهَا إِلاَّ عِنْدَ وَضْعِهِ،وَ كَانَ فِرْعَوْنُ قَدْ وَكَّلَ بِنِسَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ نِسَاءً مِنَ الْقِبْطِ يَحْفَظُونَهُنَّ،وَ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ لَمَّا بَلَغَهُ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ:إِنَّهُ يُولَدُ فِينَا رَجُلٌ،يُقَالُ لَهُ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ،يَكُونُ هَلاَكُ فِرْعَوْنَ وَ أَصْحَابِهِ عَلَى يَدِهِ.فَقَالَ فِرْعَوْنُ عِنْدَ ذَلِكَ:لَأَقْتُلَنَّ ذُكُورَ أَوْلاَدِهِمْ،حَتَّى لاَ يَكُونَ مَا يُرِيدُونَ.وَ فَرَّقَ بَيْنَ الرِّجَالِ وَ النِّسَاءِ،وَ حَبَسَ الرِّجَالَ فِي الْمَحَابِسِ [1].
فَلَمَّا وَضَعَتْ أُمُّ مُوسَى مُوسَى(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)،نَظَرَتْ إِلَيْهِ،وَ حَزِنَتْ عَلَيْهِ،وَ اغْتَمَّتْ وَ بَكَتْ،وَ قَالَتْ:يُذْبَحُ السَّاعَةَ.
فَعَطَفَ اللَّهُ بِقَلْبِ الْمُوَكَّلَةِ بِهَا عَلَيْهَا [2]،فَقَالَتْ لِأُمِّ مُوسَى:مَا لَكِ قَدِ اصْفَرَّ لَوْنُكِ؟فَقَالَتْ:أَخَافُ أَنْ يُذْبَحَ وَلَدِي.
فَقَالَتْ:لاَ تَخَافِي.وَ كَانَ مُوسَى لاَ يَرَاهُ أَحَدٌ إِلاَّ أَحَبَّهُ،وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ: وَ أَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي [3]فَأَحَبَّتْهُ الْقِبْطِيَّةُ الْمُوَكَّلَةُ بِهِ.
وَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى التَّابُوتَ،وَ نُودِيَتْ أُمُّهُ:ضَعِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ،وَ هُوَ الْبَحْرُ وَ لاٰ تَخٰافِي وَ لاٰ تَحْزَنِي إِنّٰا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَ جٰاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ،فَوَضَعَتْهُ فِي التَّابُوتِ،وَ أَطْبَقَتْ عَلَيْهِ،وَ أَلْقَتْهُ فِي النِّيلِ.وَ كَانَ لِفِرْعَوْنَ قَصْرٌ عَلَى شَطِّ النِّيلِ مُتَنَزِّهٌ [4]،فَنَزَلَ مِنْ قَصْرِهِ وَ مَعَهُ آسِيَةُ امْرَأَتُهُ،فَنَظَرَ إِلَى سَوَادٍ فِي النِّيلِ تَرْفَعُهُ الْأَمْوَاجُ، وَ الرِّيَاحُ تَضْرِبُهُ،حَتَّى جَاءَتْ بِهِ إِلَى بَابِ قَصْرِ فِرْعَوْنَ،فَأَمَرَ فِرْعَوْنُ بِأَخْذِهِ،فَأُخِذَ التَّابُوتُ،وَ رُفِعَ إِلَيْهِ،فَلَمَّا فَتَحَهُ وَجَدَ فِيهِ صَبِيّاً،فَقَالَ:هَذَا إِسْرَائِيلِيٌّ.وَ أَلْقَى اللَّهُ فِي قَلْبِ فِرْعَوْنَ لِمُوسَى مَحَبَّةً شَدِيدَةً،وَ كَذَلِكَ فِي قَلْبِ آسِيَةَ، وَ أَرَادَ فِرْعَوْنُ أَنْ يَقْتُلَهُ،فَقَالَتْ آسِيَةُ: لاٰ تَقْتُلُوهُ عَسىٰ أَنْ يَنْفَعَنٰا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَ هُمْ لاٰ يَشْعُرُونَ أَنَّهُ مُوسَى(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)،وَ لَمْ يَكُنْ لِفِرْعَوْنَ وَلَدٌ،فَقَالَ:اِئْتُوا لَهُ بِظِئْرٍ تُرَبِّيهِ.فَجَاءُوا بِعِدَّةِ نِسَاءٍ قَدْ قَتَلَ أَوْلاَدَهُنَّ،فَلَمْ يَشْرَبْ لَبَنَ أَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ،وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ: وَ حَرَّمْنٰا عَلَيْهِ الْمَرٰاضِعَ مِنْ قَبْلُ .
وَ بَلَغَ أُمَّهُ أَنَّ فِرْعَوْنَ قَدْ أَخَذَهُ،فَحَزِنَتْ،وَ بَكَتْ،كَمَا قَالَ: وَ أَصْبَحَ فُؤٰادُ أُمِّ مُوسىٰ فٰارِغاً إِنْ كٰادَتْ لَتُبْدِي بِهِ ،يَعْنِي كَادَتْ أَنْ تُخْبِرَ بِخَبَرِهِ،أَوْ تَمُوتَ،ثُمَّ ضَبَطَتْ نَفْسَهَا،فَكَانَ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: لَوْ لاٰ أَنْ رَبَطْنٰا عَلىٰ قَلْبِهٰا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ* وَ قٰالَتْ لِأُخْتِهِ ،أَيْ لِأُخْتِ مُوسَى: قُصِّيهِ أَيْ اتَّبِعِيهِ،فَجَاءَتْ أُخْتُهُ إِلَيْهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ أَيْ عَنْ بُعْدٍ وَ هُمْ لاٰ يَشْعُرُونَ فَلَمَّا لَمْ يَقْبَلْ مُوسَى بِأَخْذِ ثَدْيِ أَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ،اغْتَمَّ فِرْعَوْنُ غَمّاً شَدِيداً،فَقَالَتْ أُخْتُهُ:هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ،وَ هُمْ لَهُ نَاصِحُونَ؟فَقَالَ:نَعَمْ فَجَاءَتْ بِأُمِّهِ،فَلَمَّا أَخَذَتْهُ فِي حَجْرِهَا،وَ أَلْقَمَتْهُ ثَدْيَهَا،وَ الْتَقَمَهُ وَ شَرِبَ،فَفَرِحَ فِرْعَوْنُ وَ أَهْلُهُ،وَ أَكْرَمُوا أُمَّهُ،وَ قَالُوا لَهَا:رَبِّيهِ لَنَا، وَ لَكَ مِنَّا الْكَرَامَةُ بِمَا تَخْتَارِينَ [5].وَ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: فَرَدَدْنٰاهُ إِلىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهٰا وَ لاٰ تَحْزَنَ وَ لِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللّٰهِ حَقٌّ وَ لٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاٰ يَعْلَمُونَ .
[1] في«ج،ي»:المجالس.
[2] في المصدر:عليه.
[3] طه 20:39.
[4] المتنزّه:مكان التّنزّه.«المعجم الوسيط 2:915».
[5] في المصدر:ربّيه لنا،فإنا نفعل بك ما نفعل.