مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَ لاَ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ،غَيْرَ أَنَّ لِي فِي كُلِّ يَوْمٍ اغْتِمَاسَةً فِيهِ،ثُمَّ أَخْرُجُ مِنْهُ فَأَنْفُضُ أَجْنِحَتِي،فَلَيْسَ مِنْ قَطْرَةٍ تَقْطُرُ مِنْ أَجْنِحَتِي إِلاَّ خَلَقَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى مِنْهَا مَلَكاً مُقَرَّباً،لَهُ عِشْرُونَ أَلْفَ وَجْهٍ وَ أَرْبَعُونَ أَلْفَ لِسَانٍ،كُلُّ لِسَانٍ يَلْفِظُ بِلُغَةٍ لاَ يَفْقَهُهَا اللِّسَانُ الْآخَرُ.فَعَبَرَ رَسُولُ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)حَتَّى انْتَهَى بِهِ إِلَى الْحُجُبِ،وَ الْحُجُبُ خَمْسُمِائَةِ حِجَابٍ،مِنَ الْحِجَابِ إِلَى الْحِجَابِ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ،ثُمَّ قَالَ:تَقَدَّمْ،يَا مُحَمَّدُ.فَقَالَ لَهُ:«يَا جَبْرَئِيلُ،وَ لِمَ لاَ تَكُونُ مَعِي؟»قَالَ:لَيْسَ لِي أَنْ أَجُوزَ هَذَا الْمَكَانَ.
فَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ حَتَّى سَمِعَ مَا قَالَ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى:أَنَا الْمَحْمُودُ وَ أَنْتَ مُحَمَّدٌ،شَقَقْتُ اسْمَكَ مِنِ اسْمِي،فَمَنْ وَصَلَكَ وَصَلْتُهُ،وَ مَنْ قَطَعَكَ بَتَكْتُهُ [1]،انْزِلْ إِلَى عِبَادِي فَأَخْبِرْهُمْ بِكَرَامَتِي إِيَّاكَ،وَ أَنِّي لَمْ أَبْعَثْ نَبِيّاً إِلاَّ جَعَلْتُ لَهُ وَزِيراً،وَ أَنَّكَ رَسُولِي،وَ أَنَّ عَلِيّاً وَزِيرُكَ.فَهَبَطَ رَسُولُ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)،فَكَرِهَ أَنْ يُحَدِّثَ النَّاسَ بِشَيْءٍ،كَرَاهِيَةَ أَنْ يَتَّهِمُوهُ،لِأَنَّهُمْ كَانُوا حَدِيثِي عَهْدٍ بِالْجَاهِلِيَّةِ،حَتَّى مَضَى لِذَلِكَ سِتَّةُ أَيَّامٍ،فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى: فَلَعَلَّكَ تٰارِكٌ بَعْضَ مٰا يُوحىٰ إِلَيْكَ وَ ضٰائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ فَاحْتَمَلَ رَسُولُ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)ذَلِكَ حَتَّى كَانَ يَوْمُ الثَّامِنِ،فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى عَلَيْهِ: يٰا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مٰا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمٰا بَلَّغْتَ رِسٰالَتَهُ وَ اللّٰهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّٰاسِ [2]فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ):«تَهْدِيدٌ بَعْدَ وَعِيدٍ،لَأَمْضِيَنَّ لِأَمْرِ [3]اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ،فَإِنْ يَتَّهِمُونِي وَ يُكَذِّبُونِي فَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيَّ مِنْ أَنْ يُعَاقِبَنِيَ اللَّهُ الْعُقُوبَةَ الْمُوجِعَةَ فِي الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ».
قَالَ:وَ سَلَّمَ جَبْرَئِيلُ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)عَلَى عَلِيٍّ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ،فَقَالَ عَلِيٌّ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)«يَا رَسُولَ اللَّهِ،أَسْمَعُ الْكَلاَمَ وَ لَمْ أُحِسَّ الرُّؤْيَةَ».فَقَالَ:«يَا عَلِيُّ،هَذَا جَبْرَئِيلُ أَتَانِي مِنْ قِبَلِ رَبِّي بِتَصْدِيقِ مَا وَعَدَنِي.ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)رَجُلاً فَرَجُلاً مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى سَلَّمُوا عَلَيْهِ بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ».
ثُمَّ قَالَ:«يَا بِلاَلُ،نَادِ فِي النَّاسِ :أَنْ لاَ يَبْقَى غَداً أَحَدٌ-إِلاَّ عَلِيلٌ-إِلاَّ خَرَجَ إِلَى غَدِيرِ خُمٍّ».فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)بِجَمَاعَةٍ مِنْ [4] أَصْحَابِهِ،فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ،ثُمَّ قَالَ:
«أَيُّهَا النَّاسُ،إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ بِرِسَالَةٍ،وَ إِنِّي ضِقْتُ بِهَا ذَرْعاً مَخَافَةَ أَنْ تَتَّهِمُونِي وَ تُكَذِّبُونِي،حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيَّ وَعِيداً بَعْدَ وَعِيدٍ،فَكَانَ تَكْذِيبُكُمْ إِيَّايَ أَيْسَرَ عَلَيَّ مِنْ عُقُوبَةِ اللَّهِ تَعَالَى.إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى أَسْرَى بِي وَ أَسْمَعَنِي،وَ قَالَ لِي:يَا مُحَمَّدُ،أَنَا الْمَحْمُودُ وَ أَنْتَ مُحَمَّدٌ،شَقَقْتُ اسْمَكَ مِنِ اسْمِي، فَمَنْ وَصَلَكَ وَصَلْتُهُ،وَ مَنْ قَطَعَكَ بَتَكْتُهُ،انْزِلْ إِلَى عِبَادِي فَأَخْبِرْهُمْ بِكَرَامَتِي إِيَّاكَ،وَ أَنِّي لَمْ أَبْعَثْ نَبِيّاً إِلاَّ جَعَلْتُ لَهُ وَزِيراً،وَ أَنَّكَ رَسُولِي،وَ أَنَّ عَلِيّاً وَزِيرُكَ».ثُمَّ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)بِيَدِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)فَرَفَعَهَا حَتَّى نَظَرَ النَّاسُ إِلَى بَيَاضِ إِبْطَيْهِمَا،وَ لَمْ يُرَ قَبْلَ ذَلِكَ،ثُمَّ قَالَ:
«أَيُّهَا النَّاسُ،إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى مَوْلاَيَ،وَ أَنَا مَوْلَى الْمُؤْمِنِينَ،فَمَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعَلِيٌّ مَوْلاَهُ،اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ
[1] البتك:القطع.«الصحاح-بتك-4:1574».
[2] المائدة 5:67.
[3] في المصدر:أمر.
[4] (من)ليس في المصدر.