لاٰ يُسْئَلُ عَمّٰا يَفْعَلُ وَ هُمْ يُسْئَلُونَ [1] ».
وَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى [2]: وَ إِذِ ابْتَلىٰ إِبْرٰاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمٰاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ وَجْهٌ آخَرُ،وَ مَا ذَكَرْنَاهُ أَصْلُهُ.
وَ الاِبْتِلاَءُ عَلَى ضَرْبَيْنِ:أَحَدُهُمَا مُسْتَحِيلٌ [3] عَلَى اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ،وَ الْآخَرُ جَائِزٌ.
فَأَمَّا مَا يَسْتَحِيلُ:فَهُوَ أَنْ يَخْتَبِرَهُ لِيُعْلَمُ مَا تَكْشِفُ الْأَيَّامُ عَنْهُ،وَ هَذَا مَا لاَ يَصْلُحُ [4] لِأَنَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ.
وَ الضَّرْبُ الْآخَرُ مِنَ الاِبْتِلاَءِ:أَنْ يَبْتَلِيَهُ حَتَّى يَصْبِرَ فِيمَا يَبْتَلِيهِ بِهِ،فَيَكُونَ مَا يُعْطِيهِ مِنَ الْعَطَاءِ عَلَى سَبِيلِ الاِسْتِحْقَاقِ،وَ لِيَنْظُرَ إِلَيْهِ النَّاظِرُ فَيَقْتَدِيَ بِهِ،فَيُعْلَمُ مِنْ حِكْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ لَمْ يَكْمُلْ [5] أَسْبَابُ الْإِمَامَةِ إِلاَّ إِلَى الْكَافِي الْمُسْتَقِلِّ،الَّذِي كَشَفَتِ الْأَيَّامُ عَنْهُ بِخَيْرٍ [6].
فَأَمَّا الْكَلِمَاتُ،فَمِنْهَا مَا ذَكَرْنَاهُ،وَ مِنْهَا:
الْيَقِينُ،وَ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ: وَ كَذٰلِكَ نُرِي إِبْرٰاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ وَ لِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ [7].
وَ مِنْهَا:اَلْمَعْرِفَةُ بِقِدَمِ بَارِئِهِ،وَ تَوْحِيدِهِ وَ تَنْزِيهِهِ مِنَ التَّشْبِيهِ:حِينَ نَظَرَ إِلَى الْكَوَاكِبِ وَ الْقَمَرِ وَ الشَّمْسِ،وَ اسْتَدَلَّ بِأُفُولِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَلَى حُدُوثِهِ،وَ بِحُدُوثِهِ عَلَى مُحْدِثِهِ.
ثُمَّ عَلَّمَهُ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)بِأَنَّ الْحُكْمَ بِالنُّجُومِ خَطَأٌ:فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَّ: فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ* فَقٰالَ إِنِّي سَقِيمٌ [8]وَ إِنَّمَا قَيَّدَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِالنَّظْرَةِ الْوَاحِدَةِ،لِأَنَّ النَّظْرَةَ الْوَاحِدَةَ لاَ تُوجِبُ الْخَطَأَ إِلاَّ بَعْدَ النَّظْرَةِ الثَّانِيَةِ، بِدَلاَلَةِ قَوْلِ النَّبِيِّ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)لَمَّا قَالَ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ):«يَا عَلِيُّ أَوَّلُ النَّظْرَةِ لَكَ،وَ الثَّانِيَةُ عَلَيْكَ لاَ لَكَ».
وَ مِنْهَا:اَلشَّجَاعَةُ:وَ قَدْ كَشَفَتِ الْأَيَّامُ عَنْهُ،بِدَلاَلَةِ قَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَّ: إِذْ قٰالَ لِأَبِيهِ وَ قَوْمِهِ مٰا هٰذِهِ التَّمٰاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهٰا عٰاكِفُونَ* قٰالُوا وَجَدْنٰا آبٰاءَنٰا لَهٰا عٰابِدِينَ* قٰالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَ آبٰاؤُكُمْ فِي ضَلاٰلٍ مُبِينٍ* قٰالُوا أَ جِئْتَنٰا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللاّٰعِبِينَ* قٰالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَ أَنَا عَلىٰ ذٰلِكُمْ مِنَ الشّٰاهِدِينَ * وَ تَاللّٰهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنٰامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ* فَجَعَلَهُمْ جُذٰاذاً إِلاّٰ كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ [9]وَ مُقَاوَمَةُ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ أُلُوفاً مِنْ أَعْدَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ تَمَامُ الشَّجَاعَةِ.
[1] سورة الأنبياء 21:23.
[2] الظاهر أنّ هذا الكلام و ما بعده للصدوق(قدّس سرّه)،و ليس للإمام(عليه السّلام)
[3] في المصدر:يستحيل.
[4] في المصدر:يصحّ.
[5] في المصدر:لم يكل.
[6] في المصدر:بخبره.
[7] الأنعام 6:75.
[8] الصّافّات 37:88 و 89.
[9] الأنبياء 21:52-58.