قوله تعالى:
وَ قُلْنٰا يٰا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَ زَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَ كُلاٰ مِنْهٰا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمٰا وَ لاٰ تَقْرَبٰا هٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونٰا مِنَ الظّٰالِمِينَ[35] فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطٰانُ عَنْهٰا فَأَخْرَجَهُمٰا مِمّٰا كٰانٰا فِيهِ وَ قُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَ مَتٰاعٌ إِلىٰ حِينٍ[36]
99-/399 _1- قَالَ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْعَسْكَرِيُّ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ): «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَمَّا لَعَنَ إِبْلِيسَ بِإِبَائِهِ [1]،وَ أَكْرَمَ الْمَلاَئِكَةَ بِسُجُودِهَا لِآدَمَ،وَ طَاعَتِهِمْ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ،أَمَرَ بِآدَمَ وَ حَوَّاءَ إِلَى الْجَنَّةِ،وَ قَالَ: يٰا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَ زَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَ كُلاٰ مِنْهٰا مِنَ الْجَنَّةِ رَغَداً وَاسِعاً حَيْثُ شِئْتُمٰا بِلاَ تَعَبٍ وَ لاٰ تَقْرَبٰا هٰذِهِ الشَّجَرَةَ شَجَرَةَ الْعِلْمِ، شَجَرَةَ عِلْمِ مُحَمَّدٍ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)وَ آلِ مُحَمَّدٍ(صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ)الَّذِينَ آثَرَهُمُ [2] اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِهَا دُونَ خَلْقِهِ.
فَقَالَ تَعَالَى: وَ لاٰ تَقْرَبٰا هٰذِهِ الشَّجَرَةَ شَجَرَةَ الْعِلْمِ،فَإِنَّهَا لِمُحَمَّدٍ وَ آلِهِ خَاصَّةً دُونَ غَيْرِهِمْ،وَ لاَ يَتَنَاوَلُ مِنْهَا بِأَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ هُمْ،وَ مِنْهَا مَا كَانَ يَتَنَاوَلُهُ النَّبِيُّ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)وَ عَلِيٌّ وَ فَاطِمَةُ وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ(عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ)بَعْدَ إِطْعَامِهِمُ الْيَتِيمَ وَ الْمِسْكِينَ وَ الْأَسِيرَ،حَتَّى لَمْ يُحِسُّوا بَعْدُ بِجُوعٍ وَ لاَ عَطَشٍ وَ لاَ تَعَبٍ وَ لاَ نَصَبٍ.
وَ هِيَ شَجَرَةٌ تَمَيَّزَتْ بَيْنَ أَشْجَارِ الْجَنَّةِ؛إِنَّ سَائِرَ أَشْجَارِ الْجَنَّةِ كَانَ كُلُّ نَوْعٍ مِنْهَا يَحْمِلُ نَوْعاً مِنَ الثِّمَارِ وَ الْمَأْكُولِ،وَ كَانَتْ هَذِهِ الشَّجَرَةُ وَ جِنْسُهَا تَحْمِلُ الْبُرَّ [3] وَ الْعِنَبَ وَ التِّينَ وَ الْعُنَّابَ [4] وَ سَائِرَ أَنْوَاعِ الثِّمَارِ وَ الْفَوَاكِهِ وَ الْأَطْعِمَةِ،فَلِذَلِكَ اخْتَلَفَ الْحَاكُونَ لِذِكْرِ [5] الشَّجَرَةِ،فَقَالَ بَعْضُهُمْ:هِيَ بُرَّةٌ،وَ قَالَ آخَرُونَ:هِيَ عِنَبَةٌ،وَ قَالَ آخَرُونَ:
هِيَ تِينَةٌ،وَ قَالَ آخَرُونَ:هِيَ عُنَّابَةٌ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَ لاٰ تَقْرَبٰا هٰذِهِ الشَّجَرَةَ تَلْتَمِسَانِ بِذَلِكَ دَرَجَةَ مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ وَ فَضْلَهُمْ،فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَصَّهُمْ بِهَذِهِ الدَّرَجَةِ دُونَ غَيْرِهِمْ،وَ هِيَ الشَّجَرَةُ الَّتِي مَنْ تَنَاوَلَ مِنْهَا بِإِذْنِ اللَّهِ أُلْهِمَ عِلْمَ الْأَوَّلِينَ وَ الْآخِرِينَ مِنْ غَيْرِ تَعَلُّمٍ،وَ مَنْ تَنَاوَلَ مِنْهَا بِغَيْرِ إِذْنٍ خَابَ مِنْ مُرَادِهِ وَ عَصَى رَبَّهُ. فَتَكُونٰا مِنَ الظّٰالِمِينَ بِمَعْصِيَتِكُمَا وَ الْتِمَاسِكُمَا
[1] أبى إباء:استعصى.«المعجم الوسيط-أبي-1:4».
[2] آثره الشيء بالشّيء:خصّه به.«المعجم الوسيط-آثر-1:5».
[3] البرّ:جمع برّة من القمح.«الصحاح-برر-2:588».
[4] العنّاب:شجر شائك من الفصيلة السدريّة،يبلغ ارتفاعه ستّة أمتار،و يطلق العنّاب على ثمره أيضا،و هو أحمر حلو لذيذ الطعم على شكل ثمرة النبق.«المعجم الوسيط-عنب-2:630».
[5] في المصدر:لتلك.