- ثلثه،
و ذلك لأن الخمر قد فسد فيها جميع مواد الحلاوة و تغير إلى المادة المسكرة، و كلما
غلت بالنار لا تصير حلوا كالدبس بخلاف العصير المغلي لأن مادة الحلاوة باقية فيها
بعد، فإذا غلا ثخن و اشتدّت الحلاوة فيه و صار دبسا، ألا ترى إنّه عليه السّلام
قال في حديث ابن وهب إذا كان حلوا يخضب الاناء، و قال صاحبه قد ذهب ثلثاه و بقي
الثلث فاشربه و هذا غير ممكن في الخمر فكما إن الخل كلّما غلا لا يثخن و لا يصير
حلوا لفساد مواد الحلاوة فيه، كذلك الخمر كلّما غلت لا تصير حلوا، و هذا هو الفرق
بين العصير و الخمر، و إلّا فهما مشتركان في جميع الأحكام لوحدة ملاك الحرمة
فيهما، فإن قيل لا يصير العصير مسكرا بمجرد الغليان خصوصا بالنار و هو معلوم فكيف
يكون حرمته بملاك السكر بل هو حرام برأسه تعبدا، قلنا الظاهر إنّ السكر يحصل في
العصير تدريجا، و أوّل علامة ظهوره و أخذه في أن يحصل فيه المادة المسكرة هو
الغليان و النشيش و لا شيء من الاستحالات إلّا حاصلة بالتدريج حتّى صيرورة الخمر
خلا، و نضج الفواكه و ظهور الحلاوة في الحصرم فجعل في الشرع حدا تعبدي لموضوع
أحكام الخمر و هو نظير الإقامة و السفر و الوطن و أمثالها، فقد جعل حدّ موضوع
المسافر ثمانية فراسخ مع صدقه لغة على الأعمّ و حدّ الإقامة على عشرة أيّام، و
الوطن على من نوى البقاء و سكن في بلد ستة أشهر، و الرضاع على الذي ارتضع خمس عشرة
رضعة، و غير ذلك، و هذا من تعيين الموضوع فجعل في الشرع حدّ الحرمة في العصير
المستعد لأن يستحيل خمرا أول غليان يظهر فيه، و لو لا ذلك لم يكن لنا تعيين حدّ
فاصل بين الحل و الحرمة لأن المادة المسكرة إنّما تحصل في العصير تدريجا و لا يظهر
للحس إلّا بعد التكامل كحموضة الخل، فأول غليان يظهر هو الحدّ الفاصل شرعا بين
حالتي العصير ما قبله و ما حلّ بعده ملحق بالخمر، و لم يفرق بين الغليان بالنار أو
بنفسه حفظا للحريم و إن لم يكن أحدهما مثل الآخر طبعا فظهر ممّا ذكرنا أمور.
الأوّل: إنّ العصير إذا غلا بنفسه أو بالنار فهو نجس. و الثاني: إنّ من شربه حدّ
حدّ شارب الخمر، الثالث: إنّ العصير إذا غلا و لو بنفسه طهر إن ذهب ثلثاه و بقي
ثلثه إذ لم يصير خمرا عرفا حتى لا يطهر بذهاب ثلثيه لأنّها لا يصير دبسا و لا حلوا
و لا يثخن حتّى يخصب الإناء، و بالجملة العصير حريم للخمر العرفية، و خمر في الشرع
إلّا إنّه يطهر بذهاب ثلثيه لحفظ الحلاوة، و لا يطهر الخمر لعدم حصول هذا المعنى
فيها. «ش».
نام کتاب : الوافي نویسنده : الفيض الكاشاني جلد : 20 صفحه : 654