هذا الحديث مثل سابقه في المعنى و السر فيهما أن
إصلاح القلب و تطهيره بالعبادات الجسمانية و تصفية النفس و تهذيبها بالأعمال البدنية
ليست مقصودة بالذات لأنها كالإعدام للملكات و العدم لا يكون مطلوبا إلا بالعرض إنما
المطلوب أن ينكشف له المعارف الحقيقية من العلم بالله و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم
الآخر لكل إنسان بحسب عقله و فهمه على تفاوت مراتبهم في ذلك.
و لا تنكشف هذه المعارف إلا بأن يقع ذلك الإصلاح
و التطهير على وجهه مأخوذا عن صاحب الشرع ص مع اعتقاد صحيح و لو بالسماع منه فمن اقتصر
في سلوكه على مجرد العمل و الرياضة و المجاهدة من غير بصيرة و لا معرفة فالتصفية تصير
وبالا عليه إذ تتحرك النفس بالخواطر الوهمية و تستولي عليه الوساوس النفسانية فيشوش
القلب حيث لم يتقدم له رياضة النفس بالعلوم الحقة و الأفكار الصحيحة و لم يأخذ كيفية
العبادة عن صاحب الشرع و خلفائه ص.
فيتشبث بالقلب خيالات فاسدة و تصورات باطلة و أوهام
كاذبة و ربما يتخيل في ذات اللَّه و صفاته اعتقادات فاسدة من باب الكفر و الزندقة و
في زعمه أنها صحيحة حقة نعوذ بالله منه و ربما يقتدي به غيره فيتعدى شره و يصير من
الجاهلين المتنسكين القاصمين للظهر ثم مع ذلك قلما يخلو من إعجاب بنفسه و افتخار بعمله
و اغترار بعبادته و نظر إلى سائر الناس بعين الاحتقار و الازدراء.
و ربما يتشحن[2] باطنه بأمراض نفسانية و هو غافل عنها غير ملتفت إلى معالجتها و إزالتها
و ربما يظن الرذائل فضائل و العيوب كمالات فيكون ممن أخبر اللَّه تعالى عنهم بقوله
سبحانه
[1] . قوله «كان ما يفسد أكثر ممّا يصلح، أي كان الفساد
في عمله الذي لم يكن من علم أكثر من الصلاح فيه. و كلّما كان الفساد فيه أكثر من الصلاح
كان قبيحا غير مطلوب للحكيم- رفيع (رحمه اللّه).
[2] . شحن السفينة: ملأها- قاموس.فيض كاشانى، محمد
محسن بن شاه مرتضى، الوافي - اصفهان، چاپ: اول، 1406 ق.
>
نام کتاب : الوافي نویسنده : الفيض الكاشاني جلد : 1 صفحه : 200