لي. فقال مزدك: و ما هما أيها الملك؟
قال: تمنّيت أن أملك فاستعمل هذا الرجل الشريف (يعني المنذر) و أن أقتل هؤلاء
الزنادقة. فقال له مزدك: أو تستطيع أن تقتل/ الناس كلّهم؟! قال: إنك لها هنا يا
ابن الزانية! و اللّه ما ذهب نتن ريح جوربك من أنفي منذ قبّلت رجلك إلى يومي هذا!
و أمر به فقتل و صلب، و أمر بقتل الزنادقة فقتل منهم ما بين جازر [1] إلى النّهروان
إلى المدائن في ضحوة واحدة مائة ألف زنديق و صلبهم؛ و سمّي يومئذ أنو شروان. و طلب
أنو شروان الحارث بن عمرو؛ فبلغه ذلك و هو بالأنبار، و كان بها منزله- و إنما
سمّيت الأنبار لأنه كان يكون بها أهراء [2] الطعام و هي الأنابير- فخرج هاربا في
هجائنه و ماله و ولده فمرّ بالثّويّة [3]؛ و تبعه المنذر بالخيل من تغلب و بهراء
[4] و إياد، فلحق بأرض كلب [5] فنجا، و انتهبوا ماله و هجائنه. و أخذت بنو تغلب
ثمانية و أربعين نفسا من بني آكل المرار؛ فقدم بهم على المنذر فضرب رقابهم بحفر
الأملاك في ديار بني مرينا [6] العباديّين بين دير هند و الكوفة.
/ قالوا: و مضى الحارث فأقام بأرض كلب. فكلب
يزعمون أنهم قتلوه. و علماء كندة تزعم أنه خرج إلى الصيد فألظّ [9] بتيس من
الظّباء فأعجزه، فآلى أليّة ألّا يأكل أوّلا إلا من كبده. فطلبته الخيل ثلاثا فأتي
بعد ثالثة و قد هلك جوعا، فشوي له بطنه، فتناول فلذة من كبده فأكلها حارّة فمات. و
في ذلك يقول الوليد بن عديّ الكنديّ في أحد بني بجيلة:
فشووا فكان شواؤهم
خبطا له
إن المنيّة لا
تجلّ جليلا
/ و زعم ابن قتيبة أن أهل اليمن يزعمون أن قباذ
بن فيروز لم يملّك الحارث بن عمرو و أن تبّعا الأخير هو الذي
[1]
كذا في «معجم البلدان» لياقوت. و جازر: قرية من نواحي النهروان. و في أ، م: «جاذر»
بالذال المعجمة. و في سائر الأصول:
«حاذر»
بالحاء المهملة و هو تحريف. و النهروان: ثلاث، أعلى و أوسط و أسفل، و هي كورة
واسعة بين واسط و بغداد من الجانب الشرقي.
[2] كذا في
«نسخة الأستاذ الشنقيطي مصححة بقلمه. و الأهراء: الأكوام. و في الأصول: «أهداء
الطعام» بالدال و هو تحريف.