هو عبيد اللّه
بن عبد اللّه بن طاهر بن الحسين، و يكنى أبا أحمد. و له محلّ من الأدب و التصرّف
في فنونه و رواية الشعر و قوله و العلم باللغة و أيّام الناس و علوم الأوائل من
الفلاسفة في الموسيقى و الهندسة و غير ذلك مما يجلّ عن الوصف و يكثر ذكره. و له
صنعة في الغناء حسنة متقنة عجيبة تدلّ على ما ذكرناه هاهنا من توصّله إلى ما عجز
عنه الأوائل من جمع النّغم كلّها في صوت واحد تتبّعه هو و أتى به على فضله فيها و
طلبه لها. و كان المعتضد باللّه، رحمة اللّه عليه، ربما كان أراد أن يصنع في بعض
الأشعار غناء و بحضرته أكابر المغنّين مثل القاسم بن زرزور و أحمد بن المكيّ و من
دونهما مثل أحمد بن أبي العلاء و طبقتهم، فيعدل عنهم إليه فيصنع فيها أحسن صنعة، و
يترفّع عن إظهار نفسه بذلك، و يومئ إلى أنه من صنعة جاريته شاجي [1]، و كانت إحدى
المحسنات المبرّزات المقدّمات؛ و ذلك بتخريجه و تأديبه، و كان بها معجبا و لها
مقدّما.
كان المعتضد
يتفقده لما رقت حاله و طلب منه جاريته ليسمع غناءها فأرسلها له:
فأخبرني أحمد
بن جعفر جحظة قال: لمّا اختلت حال عبيد اللّه بن عبد اللّه بن طاهر كان المعتضد
يتفقّده بالصّلات الفينة بعد الفينة. و اتّفق يوما كان فيه مصطبحا أن غنّي بصوت
الصنعة فيه لشاجي جارية عبيد اللّه؛ فكتب إليه كتابا يقسم أن يأمرها بزيارته ففعل.
قال: فحدّثني من حضر من المغنّيات ذلك المجلس بعد موت المعتضد قالت: دخلت إلينا و
ما منّا إلّا من يرفل في الحليّ و الحلل و هي في أثواب ليست كثيابنا، فاحتقرناها؛
فلمّا غنّت احتقرنا أنفسنا. و لم تزل تلك حالنا حتى صارت في أعيننا كالجبل و صرنا
كلا شيء. قال: و لمّا انصرفت أمر لها/ المعتضد بمال و كسوة. و دخلت إلى مولاها
فجعل يسألها عن أمرها و ما رأت مما استظرفت و سمعت مما استغربت. فقالت: ما استحسنت
هناك شيئا و لا استغربته من غناء و لا غيره إلا عودا من عود محفور [2] فإنّي
استظرفته. قال جحظة: فما قولك فيمن يدخل دار الخلافة فلا يمدّ عينه لشيء يستحسنه
فيها إلا عودا!.
كانت شاجي
جاريته تلحن للمعتضد بعض الشعر:
قال محمد بن
الحسن الكاتب و حدّثني النّوشجانيّ قال:
كان المعتضد
إذا استحسن شعرا بعث به إلى شاجي جارية عبيد اللّه بن طاهر فتغنّى فيه. قال: و
كانت صنعتها تسمّى في عصره غناء الدار.