حدّثني
الصّوليّ قال حدّثني أحمد بن محمد بن إسحاق الخراسانيّ قال حدّثني الفضل بن العباس
[1] بن المأمون قال:
/ كنت مع
المعتزّ في الصيد، فانقطع عن الموكب و أنا و يونس بن بغا معه، و نحن بقرب قنطرة
[2] و صيف، و كان هناك دير فيه ديرانيّ يعرفني و أعرفه، نظيف ظريف مليح الأدب و
اللفظ. فشكا المعتزّ العطش. فقلت: يا أمير المؤمنين، في هذا الدير ديرانيّ أعرفه
خفيف الروح لا يخلو من ماء بارد، أ فترى أن نميل إليه؟ قال نعم. فجئناه فأخرج لنا
ماء باردا، و سألني عن المعتزّ و يونس فقلت: فتيان من أبناء الجند؛ فقال: بل مفلتان
من حور الجنّة.
فقلت له: هذا
ليس في دينك. فقال: هو الآن في ديني. فضحك المعتزّ. فقال لي الدّيرانيّ: أ تأكلون
شيئا؟ قلت نعم. فأخرج شطيرات و خبزا و إداما نظيفا، فأكلنا أطيب أكل، و جاءنا
بأطراف [3] أشنان. فاستظرفه المعتزّ و قال لي:
قل له فيما
بينك و بينه: من تحبّ أن يكون معك من هذين لا يفارقك. فقلت له، فقال: «كلاهما [4]
و تمرا».
فضحك المعتزّ
حتى مال على حائط الدّير. فقلت للدّيرانيّ: لا بدّ من أن تختار. فقال: الاختيار و
اللّه في هذا دمار، و ما خلق اللّه عقلا يميّز بين هذين. و لحقهما الموكب، فارتاع
الدّيرانيّ./ فقال له المعتزّ: بحياتي لا تنقطع عما كنا فيه، فإنّي لمن ثمّ مولى و
لمن هاهنا صديق. فمزحنا ساعة؛ ثم أمر له بخمسمائة [5] ألف درهم. فقال [6]: و اللّه
ما أقبلها إلّا على شرط. قال: و ما هو؟ قال: يجيب/ أمير المؤمنين دعوتي مع من
أراد. قال: ذلك لك. فاتّعدنا ليوم جئناه فيه، فلم يبق غاية، و أقام للموكب كلّه ما
احتاج إليه، و جاءنا بأولاد النصارى يخدموننا. و وصله المعتزّ يومئذ صلة سنيّة؛ و
لم يزل يعتاده و يقيم عنده.
ولي الخلافة
و له سبع عشرة سنة، و شعره في ذلك:
حدّثني
الصّوليّ قال حدّثنا عبد اللّه بن المعتزّ قال:
بويع للمعتزّ
بالخلافة و له سبع عشرة سنة كاملة و أشهر. فلما انقضت البيعة قال:
توحّدني الرحمن بالعزّ و العلا
فأصبحت فوق العالمين أميرا
[1]
كذا في «مسالك الأبصار» (ح 1 ص 282 طبع دار الكتب المصرية) و «معجم البلدان» في
كلامهما عن دير مرمار- و في «معجم البلدان»: «دير مرماري» بياء- و في الأصول:
«العباس بن المفضل بن المأمون». و ذكر اليعقوبي في تاريخه أن المأمون خلف من الولد
الذكور ستة عشر و ذكر منهم «العباس» و «الفضل».
[2] كذا في ج
و «مسالك الأبصار». و في سائر الأصول: منظرة وصيف».
[3] كذا في
ح. و في سائر الأصول: «بأظرف إنسان» و هو تحريف.
[4] في
«مسالك الأبصار»: «فقال: كلاهما» بدون «و تمرا». و «كلاهما و تمرا» مثل قائله عمرو
بن حمران و قد مر به رجل أضر به العطش و السغوب و بين يديه زبد و تامك و تمر. فقال
له الرجل: أطعمني من هذا الزبد و التامك. فقال عمرو: «نعم كلاهما و تمرا» فصارت
مثلا في زيادة الإكرام. أي لك كلاهما و أزيد تمرا. و يروي «كليهما و تمرا» بالنصب
على تقدير فعل محذوف أي أطعمك.