فأعجب به و
استحسنه، و أمر المغنّين فغنّوا فيه، و أمر بإشخاص إسحاق إليه من بغداد ليسمعه.
فكاده مخارق
عنده و قال: يا أمير المؤمنين، إن إسحاق شيطان خبيث داهية، و إن قولك له فيما
تصنعه: هذا صوت وقع إلينا، لا يخفى عليه به أنّ الصوت لك و من صنعتك و لا يوقع في
فهمه أنه قديم، فيقول لك و بحضرتك ما يقارب هواك، فإذا خرج عن حضرتك قال لنا ضدّ
ذلك. فأحفظ الواثق قوله و غاظه، و قال له: أريد على هذا القول منك دليلا. قال: أنا
أقيم عليه الدليل إذا حضر. فلما قدم به و جلس في أوّل مجلس اندفع مخارق يغنّي لحن
الواثق:
لقد بخلت حتّى لو انّي سألتها
فزاد فيه زوائد
أفسدت قسمته فسادا شديدا و خفيت على الواثق لكثرة زوائد مخارق في غنائه. فسأله
الواثق عنه؛ فقال: هذا غناء/ فاسد غير مرضيّ عندي. فغضب الواثق و أمر بإسحاق فسحب
حتى أخرج من المجلس. فلما كان من الغد/ قالت فريدة للواثق: يا أمير المؤمنين، إن
إسحاق رجل يأخذ نفسه بقول الحق في صناعته على كل حال ساءته أو سرّته، لا يخاف في
ذلك ضررا و لا يرجو نفعا؛ و ما لك منه عوض. و قد كاده مخارق عندك فزاد في صدر
الصوت من زوائده التي تعرف، و تركه في المصراع الثاني على حاله، و نقص من البيت
الثاني، و قد تبيّنت ذلك.
و أنا أعرضه
على إسحاق و أغنيه إيّاه على صحّته، و اسمع ما يقول. و ما زالت تلطف للواثق حتى
رضي عنه و أمر بإحضاره. فغنّته إيّاه فريدة كما صنعه الواثق. فلمّا سمعه قال: هذا
صوت صحيح الصّنعة و القسمة و التجزئة، و ما هكذا سمعته في المرة الأولى. ثم أخبر
الواثق عن مواضع فساده حينئذ، و أبان ذلك له بما فهمه. و غنّته فريدة عدّة أصوات
من القديم و الحديث كلّها يقول فيها بما عنده من مدح لبعضها و طعن على بعض. فاستحسن
الواثق ذلك و أجازه يومئذ و حباه، و جفا مخارقا مدّة لما فعله به.
أخبرني جحظة
قال حدّثني ابن المكّيّ عن أبيه قال:
كان الواثق إذا
صنع شيئا من الغناء أخبر إسحاق به و عرضه عليه حتى يصلح ما فيه ثم يظهره.
و قد أخبرني
الحسن بن عليّ عن يزيد بن محمد المهلّبيّ بهذا الخبر فذكر نحو ما ذكرته هاهنا و في
ألفاظه اختلاف. و قد تقدّم ذكره [1] و ابتدأناه في أخبار إسحاق. و الأبيات الثانية
التي غنّى فيها الواثق و إسحاق أنشدنيها عليّ بن سليمان الأخفش و عليّ بن هارون بن
عليّ بن يحيى جميعا عن هارون بن عليّ بن يحيى عن أبيه عن إسحاق لأعرابيّ، و
أنشدناها محمد بن العبّاس اليزيديّ قال أنشدني أحمد بن يحيى ثعلب لبعض الأعراب: