: قالت:
أحسنتنّ! و هو لعمري حسن. و قالت لسعدة و الزّرقاء: غنيّا؛ فغنّتا:
قد أرسلوني يعزّوني فقلت لهم
كيف العزاء و قد سارت بها الرّفق
استهدت الرّيم عينيه فجادلها
بمقلتيه و لم تترك له عنق
فاستحسن ذلك.
ثم قالت للجماعة فغنّوا، و انقضى المجلس و عاد كلّ إنسان إلى وطنه. فما رثي مجلس و
لا جمع أحسن من اليوم الأوّل ثم الثاني ثم الثالث.
طلب إبراهيم
الموصلي الغناء لسماعه صوتا لها
: و حدّثتني
[1] عمّتي- و كانت أسنّ من أبي و عمّرت بعده- قالت: كان السبب في طلب أبيك الغناء
و المواظبة عليه لحنا سمعه لجميلة في منزل يونس بن محمد الكاتب، فانصرف و هو كئيب
حزين مغموم لم يطعم و لم يقبل علينا بوجهه كما كان يفعل. فسألته عن السبب فأمسك،
فألححت عليه فانتهرني، و كان لي مكرما، فغضبت و قمت من ذلك المجلس إلى بيت آخر،
فتبعني و ترضّاني و قال لي: أحدّثك و لا كتمان منك: عشقت صوتا لامرأة قد ماتت،
فأنا بها و بصوتها هائم إن لم يتداركني اللّه منه برحمته. فقالت:/ أ تظنّ أن اللّه
يحيي لك ميّتا! قال: بل لا أشكّ. قالت: فما تعليقك قلبك بما لا يعطاه إلا نبيّ و
لا نبيّ بعد محمد صلّى اللّه عليه و سلّم!. و أمّا عشقك الصوت فهو أن تحذقه و
تغنّيه عشر مرار، فتملّه و يذهب عشقك له!. فكأنه ارعوى [2] و رجع إلى نفسه، و قام
فقبّل رأسي و يدي و رجلي و قال لي: فرّجت عنّي ما كنت فيه من الكرب و الغمّ،/ ثم
تمثّل: «حبّك الشيء يعمي و يصمّ و لزم بيت يونس حتى حذق الصوت و لم يمكث إلا زمنا
يسيرا حتى مات يونس و انضمّ إلى سياط، و كان من أحذق أهل زمانه بالغناء و أحسنهم
أداء عمّن مضى. قالت عمّتي: فقلت لإبراهيم: و ما الصوت؟ فأنشدني الشعر و لم يحسن
أداء الغناء:
من البكرات عراقيّة
تسمّى سبيعة أطريتها
من آل أبي بكرة الأكرمين
خصصت بودّي فأصفيتها
و من حبّها زرت أهل العراق
و أسخطت أهلي و أرضيتها
أموت إذا شحطت دارها
و أحيا إذا أنا لاقيتها
فأقسم لو أنّ ما بي بها
و كنت الطبيب لداويتها
[1]
المتحدّث هو إسحاق بن إبراهيم الموصلي و هو راوي الخبر المتقدّم كما مرّ بك.