قال فقال له
الوليد: لا كثّر اللّه في الناس أمثالك. فقال له جرير: يا أمير المؤمنين، إنما أنا
واحد قد سعرت [2] الأمّة، فلو كثر أمثالي لأكلوا الناس أكلا. قال: فنظرت و اللّه
إلى الوليد تبسّم حتى بدت ثناياه تعجّبا من جرير و جلده. قال: ثم أمره فجلس.
أخبرني ابن
عمّار قال حدّثني عمر بن محمد بن عبد الملك الزيّات قال حدّثنا ابن النّطاح عن أبي
عبيدة قال:
كان/ جرير عند
الوليد و عديّ بن الرّقاع ينشده. فقال الوليد لجرير: كيف تسمع؟ قال: و من هو يا
أمير المؤمنين؟ قال: عديّ بن الرّقاع. قال: فإن شر الثياب الرّقاع، ثم قال جرير: عامِلَةٌ
ناصِبَةٌ تَصْلى ناراً حامِيَةً[3]؛ فغضب الوليد و قال: يا ابن اللّخناء! ما
بقى لك إلا أن [4] تتناول كتاب اللّه! و اللّه ليركبنّك! يا غلام أوكفه [5] حتى
يركبه. فغمز عمر بن الوليد الغلام الذي أمره الوليد فأبطأ بالإكاف. فلما سكن غضب
الوليد قام إليه عمر فكلّمه و طلب إليه و قال: هذا شاعر مضر و لسانها، فإن رأى
أمير المؤمنين ألّا يغضّ منه! و لم يزل به حتى أعفاه، و قال له:
و اللّه لئن
هجوته أو عرّضت به لأفعلنّ بك و لأفعلنّ!. فقال فيه تلك القصيدة التي يقول فيها:
أقصر فإن نزارا لن يفاخرها
فرع لئيم و أصل غير مغروس
و ذكر وقائع
نزار في اليمن؛ فعلمنا أنّه عناه. و لم يجبه الآخر بشيء.
وصف شبة بن
عقال و خالد بن صفوان له و للفرزدق و الأخطل
: حدّثني عمّي
قال حدّثنا الكرانيّ قال حدّثنا العمريّ عن العتبيّ قال:
/ قال هشام بن
عبد الملك لشبّة بن عقال و عنده جرير و الفرزدق و الأخطل، و هو يومئذ أمير أ لا
تخبرني عن هؤلاء الذين قد مزّقوا أعراضهم و هتكوا أستارهم و أغروا بين عشائرهم في
غير خير و لا برّ و لا نفع أيّهم أشعر؟ فقال شبّة: أما جرير فيغرف من بحر، و أما
الفرزدق فينحت من صخر، و أما الأخطل فيجيد المدح و الفخر. فقال هشام:
ما فسّرت لنا
شيئا نحصّله. فقال ما عندي غير ما قلت. فقال لخالد بن صفوان: صفهم لنا يا ابن
الأهتم؛ فقال: أما أعظمهم فخرا، و أبعدهم ذكرا، و أحسنهم عذرا؛ و أسيرهم [6] مثلا،
و أقلّهم غزلا، و أحلاهم عللا؛ الطامي إذا زخر، و الحامي إذا زأر، و السامي إذا
خطر؛ الذي إن هدر قال، و إن خطر صال؛ الفصيح اللسان، الطويل العنان؛ فالفرزدق. و
أما أحسنهم نعتا، و أمدحهم بيتا، و أقلّهم فوتا؛ الذي إن هجا وضع، و إن مدح رفع،
فالأخطل. و أما أغزرهم بحرا، و أرقّهم شعرا، و أهتكهم لعدوّه سترا؛ الأغرّ الأبلق،
الذي أن طلب لم يسبق، و إن طلب لم يلحق؛
[1]
يقال: فلان عرضة للكلام إذا كان كثيرا ما يعترضه كلام الناس و يقذف به. و المراجم:
الكلم القبيحة.