فعرفت
بعضهم، و سفر النائم فإذا هو يزيد بن الوليد، فعرفته فلم يكلمني. و مضوا ليدخلوا
دمشق ليلا في نفر من أصحابه مشاة إلى معاوية بن مصاد [1] و هو بالمزّة- و بينها و
بين دمشق ميل- فأصابهم مطر شديد، فأتوا منزل معاوية فضربوا بابه و قالوا: يزيد بن
الوليد؛ فقال له معاوية: الفراش، ادخل أصلحك اللّه؛ قال: في رجلي طين و أكره أن
أفسد عليك بساطك؛ فقال: ما تريدني [2] عليه أفسد. فمشى على البساط و جلس على
الفراش، ثم كلّم معاوية فبايعه. و خرج إلى دمشق فنزل دار ثابت بن سليمان الحسنيّ
[3] مستخفيا، و على دمشق عبد الملك بن محمد بن الحجّاج بن يوسف، فخاف عبد الملك
الوباء فخرج فنزل قطنا [4]، و استخلف ابنه على دمشق و على شرطته أبو العاج كثير بن
عبد اللّه السّلميّ. و تمّ ليزيد أمره فأجمع على الظهور. و قيل لعامل دمشق: إنّ
يزيد خارج فلم يصدّق.
و أرسل يزيد/
إلى أصحابه بين المغرب و العشاء في ليلة الجمعة من جمادى الآخرة سنة سبع [5] و
عشرين و مائة، فكمنوا في ميضأة عند باب الفراديس [6]؛ حتى إذا أذّنوا العتمة دخلوا
المسجد مع الناس فصلّوا. و للمسجد حرس قد و كلّوا بإخراج الناس من المسجد بالليل؛
فإذا خرج الناس خرج الحرس و أغلق صاحب المسجد الأبواب، و دخل الدار من باب
المقصورة فيدفع المفاتيح إلى من يحفظها/ و يخرج. فلما صلّى الناس العتمة صاح الحرس
بالناس فخرجوا، و تباطأ أصحاب يزيد الناقص، فجعلوا يخرجونهم من باب و يدخلون من
باب، حتى لم يبق في المسجد إلا الحرس و أصحاب يزيد، فأخذوا الحرس. و مضى [يزيد
بن] [7] عنبسة [السّكسكيّ] [7] إلى يزيد فأخبره و أخذه بيده و قال: قم يا أمير
المؤمنين و أبشر بعون اللّه و نصره؛ فأقبل و أقبلنا و نحن اثنا عشر رجلا. فلما
كنّا عند سوق القمح لقيهم فيها مائتا رجل من أصحابهم، فمضوا حتى دخلوا المسجد و
أتوا باب المقصورة، و قالوا: نحن رسل الوليد، ففتح لهم خادم الباب، و دخلوا فأخذوا
الخادم، و إذا أبو العاج سكران فأخذوه و أخذوا خزّان البيت [8] و صاحب البريد؛ و
أرسل إلى كلّ من كان يحذره فأخذه. و أرسل من ليلته إلى محمد بن عبيدة مولى سعيد بن
العاص و هو على بعلبكّ، و إلى عبد الملك بن محمد بن الحجّاج فأخذهما. و بعث أصحابه
إلى الخشبيّة [9] فأتوه؛ و قال للبوّابين: لا تفتحوا الأبواب غدوة إلّا لمن أخبركم
بشعار كذا و كذا. قال: فتركوا الأبواب في السلاسل. و كان في المسجد سلاح كثير قدم
به سليمان بن هشام من الجزيرة، فلم يكن الخزّان قبضوه، فأصابوا سلاحا كثيرا فأخذوه
و أصبحوا، و جاء [10] أهل المزّة مع حريث بن أبي الجهم. فما انتصف النهار حتى بايع
الناس يزيد و هو يتمثّل قول النابغة:
[1]
كذا في «الطبري» (ق 2 ص 1789 طبع أوروبا). و في الأصول: «معاوية بن معاذ». و هو
سيد أهل المزة و قد كان أهل المزة بايعوا يزيد إلا معاوية هذا.
[2] في
الأصول: «ما تريد بي أفسد عليه». و عبارة «الطبري»: «الذي تريدني عليه أفسد».
[3] في
«الطبري» ق 2 ص 839، 1789: «ثابت بن سليمان بن سعد الخشني».
[4] في
الأصول: «قنطا» بتقديم النون على الطاء. و التصويب عن «الطبري».
[5] الصواب
سنة ست و عشرين و مائة، كما في كتب التاريخ.
[6] باب
الفراديس: باب من أبواب دمشق. قال ابن قيس الرقيات: