: و بعث النبيّ
صلّى اللّه عليه و سلّم على أثر ذلك خالد بن الوليد إلى بني عامر بن عبد مناة بن
كنانة و أمره أن يدعوهم إلى الإسلام، فإن أجابوه و إلّا قاتلهم [1]. فصبحهم [2]
خالد بن الوليد بالغميصاء [3] و قد سمعوا به فخافوه فظعنوا، و كانوا قتلوا أخاه
الفاكه بن الوليد و عمّه الفاكه بن المغيرة في الجاهليّة، و كانوا من أشدّ حيّ في
كنانة بأسا يسمّون «لعقة الدّم». فلما صبحهم خالد و معه بنو سليم، و كانت بنو سليم
طلبتهم بمالك بن خالد بن صخر بن الشّريد و إخوته كرز و عمرو و الحارث، و كانوا
قتلوهم في موطن واحد. فلما صبحهم خالد في ذلك اليوم و رأوا معه بني سليم زادهم ذلك
نفورا. فقال لهم خالد: أسلموا تسلموا. قالوا: نحن قوم مسلمون. قال: فألقوا سلاحكم
و انزلوا. قالوا: لا و اللّه. فقال جذيمة [4] بن الحارث أحد بني أقرم: يا قوم، لا
تضعوا سلاحكم، و اللّه ما بعد وضع السلاح إلّا القتل.
قالوا: لا و
اللّه لا نلقي سلاحنا و لا ننزل، ما نحن منك و لا لمن معك بآمنين. قال خالد: فلا
أمان لكم/ إن لم تنزلوا. فنزلت فرقة منهم فأسرهم، و تفرّق بقيّة القوم فرقتين،
فأصعدت فرقة و سفلت فرقة أخرى.
رواية عبد
اللّه بن أبي حدود لما وقع لعبد اللّه بن علقمة مع حبيشة و هو يقتل
: قال ابن دأب:
فأخبرني من لا أتّهم عن عبد اللّه بن أبي حدرد الأسلميّ قال: كنت يومئذ في جند
خالد، فبعثنا في أثر ظعن [5] مصعدة يسوق بهنّ فتية، فقال: أدركوا أولئك. قال:
فخرجنا في أثرهم حتى أدركناهم و قد مضوا، و وقف لنا غلام شابّ على الطريق. فلما
انتهينا إليه جعل يقاتلنا و هو يقول:
فقاتلنا حتى
قتلناه، و أدركنا الظّعن فأخذناهنّ، فإذا فيهن غلام وضيء به صفرة في لونه
كالمنهوك، فربطناه
[1]
في كتاب «التنبيه و الإشراف» للمسعودي (ص 268 طبع ليدن): «بعثه رسول اللّه صلّى
اللّه عليه و سلّم داعيا و لم يأمره بالقتال». و في «معجم البلدان» لياقوت أثناه
كلامه على الغميصاء أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال: «اللهم إني أبرأ
إليك مما صنع خالد و وداهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم على يدي علي بن أبي
طالب رضي اللّه عنه». و هذا يخالف ما ذكره المؤلف في هذا الخبر. و سيذكر المؤلف
فيما سيأتي ما يؤيد روايتهما.
[3]
الغميصاء: موضع في بادية العرب قرب مكة، كان يسكنه بنو جذيمة بن عامر بن عبد مناة
بن كنانة.
[4] الذي في
«سيرة ابن هشام»: «فقال رجل يقال له جحدم: ويلكم يا بني جذيمة إنه خالد! و اللّه
ما بعد وضع السلاح إلا الإسار و ما بعد الإسار إلا ضرب الأعناق. و اللّه لا أضع
سلاحي أبدا. قال: فأخذه رجال من قومه فقالوا: يا جحدم، أ تريد أن تسفك دماءنا ...»
ثم ذكر القصة بخلاف ما ذكره أبو الفرج. (انظر «السيرة» ص 834 طبع أوروبا).
[5] الظعن
(بسكون العين و ضمها): جمع ظعينة و هي المرأة في الهودج.
[6] في «سيرة
ابن هشام» (المطبوعة بهامش «الروض الأنف» للسهيلي ج 2 ص 286 طبع مطبعة الجمالية
سنة 1332 ه): «رخين أطراف المروط». و الموجود في «معاجم اللغة»: «أرخاه» و
«راخاه». فلعل الألف سقطت من الطابع.