/
دخلت يوما على المأمون و معي بيتان للحسين بن الضحّاك، فقلت: يا أمير المؤمنين،
أحبّ أن تسمع مني بيتين؛ فقال: أنشدهما فأنشدته:
حمدنا اللّه شكرا إذ حبانا
بنصرك يا أمير المؤمنينا
فأنت خليفة الرحمن حقّا
جمعت سماحة و جمعت دينا
فقال: لمن هذان
البيتان يا صالح؟ فقلت: لعبدك يا أمير المؤمنين حسين بن الضحّاك؛ قال: قد أحسن.
فقلت: و له يا
أمير المؤمنين أجود من هذا؛ فقال: و ما هو؟ فأنشدته قوله:
صوت
أ يبخل فرد الحسن فرد صفاته
عليّ و قد أفردته بهوى فرد
رأى اللّه عبد اللّه خير عباده
فملّكه و اللّه أعلم بالعبد
قال: فأطرق
ساعة ثم قال: ما تطيب نفسي له بخير بعد ما قال في أخي محمد و قال.
قال أبو الفرج:
و هذه الأبيات تروى لابن البوّاب، و ستذكر في أبوابه إن شاء اللّه تعالى، و على أن
الذي رواها غلط في روايته غلطا بيّنا، لأنها مشهورة من شعر حسين بن الضحّاك. و قد
روي أيضا في أخباره أنه دفعها إلى ابن البوّاب فأوصلها إلى ابن المأمون، و كان له
صديقا. و لعلّ الغلط وقع من هذه الجهة.
الغناء في
الأبيات المذكورة المنسوبة إلى حسين بن الضحّاك و إلى ابن البوّاب الدّاليّة
لإبراهيم بن المهديّ خفيف ثقيل بالبنصر. و فيها لعبيد اللّه بن موسى الطائفيّ رمل
بالبنصر.
أمر المأمون
عمرو بن بانة بالغناء في شعره في الأمين
: أخبرني محمد
بن يحيى الصّوليّ قال حدّثنا أحمد بن يزيد المهلّبيّ عن أبيه عن عمرو بن بانة
أنّهم كانوا عند صالح بن الرشيد، فقال: لست تطرح على جواريّ و غلماني/ ما أستجيده!
فقال له: ويلك! ما أبغضك ابعث إلى منزلي فجيء بالدفاتر و اختر منها ما شئت حتى
ألقيه عليهم؛ فبعث إلى منزلي فجيء إليه بدفاتر الغناء فأخذ منها دفترا ليتخيّر
ممّا فيه، فمرّ به شعر الحسين بن الضحّاك يرثي الأمين و يهجو المأمون و هو:
أطل حزنا و ابك الإمام محمدا
بحزن و إن خفت الحسام المهنّدا
فلا تمّت الأشياء بعد محمد
و لا زال شمل الملك منها مبدّدا
و لا فرح المأمون بالملك بعده
و لا زال في الدنيا طريدا مشرّدا
فقال لي صالح:
أنت تعلم أنّ المأمون يجيء إليّ في كل ساعة، فإذا قرأ هذا ما تراه يكون فاعلا! ثم
دعا بسكين فجعل يحكّه؛ و صعد المأمون من الدّرجة و رمى صالح الدفتر. فقال المأمون:
يا غلام الدفتر. فأتي به، فنظر فيه و وقف على الحكّ فقال: إن قلت لكم: ما كنتم [1]/
فيه تصدقوني؟ قلنا: نعم. قال: ينبغي أن يكون أخي قال لك: ابعث فجيء بدفاترك
ليتخيّر ما تطرح، فوقف على هذا الشعر فكره أن أراه فأمر بحكّه؛ قلنا: كذا كان.
فقال: