فخذيه
و خاصرته، ثم كتب إلى رجل برومية [1] كان يقرأ العبرانيّة ما تقرءونه، فذكر له
أمره و وصف له شأنه و أخبره بما جاء منه. فكتب إليه صاحب رومية: إنه النبيّ الذي
كنّا ننتظره لا شكّ فيه، فاتّبعه و صدّقه. قال: فأمر هرقل ببطارقة الرّوم فجمعوا
له في دسكرة [2] ملكه، و أمر بها فأغلقت عليهم أبوابها، ثم اطّلع عليهم من علّيّة
و خافهم على نفسه فقال: يا معشر الرّوم، قد جمعتكم لخبر، أتاني كتاب هذا الرجل
يدعو إلى دينه، فو اللّه إنّه النبيّ الذي كنّا ننتظره و نجده في كتابنا؛ فهلمّ
فلنبايعه و لنصدّقه فتسلم لنا دنيانا و آخرتنا. قال: فنخرت [3] الروم نخرة رجل
واحد و ابتدروا أبواب الدّسكرة/ ليخرجوا فوجدوها قد أغلقت دونهم. فقال: كرّوهم
عليّ و خافهم على نفسه؛ فكرّوهم عليه. فقال: يا معشر الرّوم، إنما قلت لكم المقالة
التي قلت لأنظر كيف صلابتكم في دينكم في هذا الأمر الذي قد حدث؛ فقد رأيت منكم
الذي أسرّ به؛ فخرّوا سجّدا. و أمر بأبواب الدّسكرة ففتحت لهم فانطلقوا.
حديثه مع
العباس حين بلغتهما بعثة النبيّ صلى اللّه عليه و سلم و هما باليمن و حديث الحبر
اليهودي معهما:
أخبرني الحسن
بن عليّ قال حدّثني محمد بن زكريا الغلابيّ قال حدّثني أبو بكر الهذليّ عن عكرمة
عن ابن عباس قال قال لي العبّاس:
خرجت في تجارة
إلى رجل في ركب منهم أبو سفيان بن حرب، فقدمت اليمن. فكنت أصنع يوما طعاما و أنصرف
بأبي سفيان و بالنّفر، و يصنع أبو سفيان يوما/ فيفعل مثل ذلك. فقال لي في يومي
الذي كنت أصنع فيه:
هل لك يا أبا
الفضل أن تنصرف إلى بيتي و ترسل إلى غدائك؟ فقلت: نعم. فانصرفت أنا و النّفر إلى
بيته و أرسلت إلى الغداء. فلما تغدّى القوم قاموا و احتبسني فقال لي: هل علمت يا
أبا الفضل أن ابن أخيك يزعم أنه رسول اللّه؟
قلت: و أيّ بني
أخي؟ قال أبو سفيان: إياي تكتم! و أيّ بني أخيك ينبغي له أن يقول هذا إلا رجل
واحد! قلت:
و أيّهم هو على
ذلك؟ قال: محمد بن عبد اللّه. قلت: ما فعل! قال: بلى قد فعل. ثم أخرج إليّ كتابا
من ابنه حنظلة بن أبي سفيان: إني أخبرك أن محمدا قام بالأبطح [4] غدوة فقال: أنا
رسول اللّه أدعوكم إلى اللّه. قال: قلت:
يا أبا حنظلة،
لعلّه صادق. قال: مهلا يا أبا الفضل، فو اللّه ما أحبّ أن تقول مثل هذا، و إني
لأخشى أن تكون على بصر من هذا الأمر- و قال الحسن بن عليّ في روايته: على بصيرة من
هذا الحديث- ثم قال: يا بني عبد المطّلب، إنه و اللّه ما برحت قريش تزعم أن لكم
يمنة و شؤمة كلّ واحدة منهما عامّة، فنشدتك اللّه يا أبا الفضل هل سمعت ذلك؟ قلت
نعم. قال: فهذه و اللّه إذا شؤمتكم. قلت: فلعلّها يمنتنا. فما كان بعد ذلك إلا
ليال حتى قدم عبد اللّه بن حذافة السّهميّ بالخبر و هو مؤمن، ففشا ذلك في مجالس
أهل اليمن يتحدّث به فيها. و كان أبو سفيان يجلس إلى حبر من أحبار اليمن؛ فقال له
اليهوديّ: ما هذا الخبر الذي بلغني؟ قال: هو ما سمعت. قال: أين فيكم عمّ هذا الرجل
الذي قال ما قال؟ قال أبو سفيان: صدقوا و أنا عمّه. قال اليهوديّ: أ أخو أبيه؟ قال
نعم. قال: حدّثني عنه.
قال: لا
تسألني، فما كنت أحسب أن يدّعي هذا الأمر أبدا، و ما أحبّ أن أعيبه، و غيره خير
منه. قال اليهوديّ:
فليس به أذى، و
لا بأس على يهود و توراة موسى منه. قال العباس: فتأدّى إليّ الخبر فحميت، و خرجت
حتى أجلس