فسئل عنه فنسبه
إلى الغريض. فقال له إسحاق: يا أبا عثمان، ليس هذا من نمط الغريض و لا طريقته في
الغناء، و لو شئت لأخذت مالك و تركت للغريض ماله و لم تتعب. فاستحيا يحيى و لم
ينتفع بنفسه بقيّة يومه. فلما انصرف بعث إلى إسحاق بألطاف كثيرة و برّ واسع، و كتب
إليه يعاتبه و يستكفّ شرّه و يقول له: لست من أقرانك فتضادّني، و لا أنا ممن
يتصدّى لمباغضتك و مباراتك فتكايدني، و لأنت إلى أن أفيدك و أعطيك ما تعلم أنك لا
تجده عند غيري فتسمو به على أكفائك أحوج منك إلى أن تباغضني، فأعطي غيرك سلاحا إذا
حمله عليك لم تقم له، و أنت/ أولى و ما تختار. فعرف إسحاق صدق يحيى، فكتب إليه
يعتذر، و ردّ/ الألطاف التي حملها إليه، و حلف لا يعارضه بعدها، و شرط عليه الوفاء
بما وعده به من الفوائد؛ فوفّى له بها، و أخذ منه كلّ ما أراد من غناء المتقدمين.
و كان إذا حز به أمر في شيء منها فزع إليه فأفاده و عاونه و نصحه؛ و ما عاود
إسحاق معارضته بعد ذلك.
و حذره يحيى،
فكان إذا سئل بحضرته عن شيء صدق فيه، و إذا غاب إسحاق خلّط فيما يسأل عنه. قال: و
كان يحيى إذا صار إليه إسحاق بطلب منه شيئا أعطاه إياه و أفاده و ناصحه، و يقول
لابنه أحمد: تعال حتى تأخذ مع أبي محمد ما اللّه يعلم أني كنت أبخل به عليك فضلا
عن غيرك؛ فيأخذه أحمد عن أبيه مع إسحاق. قال: و كان إسحاق بعد ذلك يتعصّب ليحيى
تعصّبا شديدا؛ و يصفه و يقدّمه و يعترف برئاسته، و كذلك كان في وصف أحمد ابنه و
تقريظه.
عدد أصواته
التي صنعها:
قال أحمد بن
سعيد: و الاختلاف الواقع في كتب الأغاني إلى الآن من بقايا تخليط يحيى. قال أحمد
بن سعيد: و كانت صنعة يحيى ثلاثة آلاف صوت، منها زهاء ألف صوت لم يقاربه فيها أحد،
و الباقي متوسّط. و ذكر بعض أصحاب أحمد بن يحيى المكيّ عنه أنه سئل عن صنعة أبيه
فقال: الذي صحّ عندي منها ألف و ثلاثمائة صوت، منها مائة و سبعون صوتا غلب فيها
على الناس جميعا من تقدّم منهم و من تأخّر، فلم يقم له فيها أحد.
كان ينسب
الأصوات عمدا لغير أصحابها فافتضح أمره:
و قال حماد بن
إسحاق قال لي أبي:
كان يحيى المكي
يسأل عن الصوت، و هو يعلم لمن هو، فينسبه إلى غير صانعه، فيحمل ذلك عنه كذلك، ثم
يسأله آخرون فينسبه غير تلك النسبة؛ حتى طال ذلك و كثر منه و قلّ تحفّظه، فظهر
عواره، و لو لا ذلك لما قاومه أحد.
أظهر إسحاق
كذبه فيما ينسبه من الغناء أمام الرشيد:
و قال أحمد بن
سعيد المالكيّ في خبره:
قال إسحاق يوما
للرشيد، قبل أن تصلح الحال بينه و بين يحيى المكي: أ تحب يا أمير المؤمنين أن أظهر
لك كذب يحيى فيما ينسبه من الغناء؟ قال نعم. قال: أعطني أيّ شعر شئت حتى أصنع فيه،
و اسألني بحضرة يحيى عن نسبته فإني سأنسبه إلى رجل لا أصل له، و اسأل يحيى عنه إذا
غنّيته، فإنه لا يمتنع من أن يدّعي معرفته. فأعطاه شعرا فصنع فيه لحنا و غنّاه
الرشيد؛ ثم قال له: يسألني أمير المؤمنين عن نسبته بين يديه. فلما حضر يحيى غنّاه