سمعت الواثق يقول: ما غنّاني إسحاق قط إلا ظننت أنه قد زيد لي في
ملكي، و لا سمعته يغنّي غناء ابن سريج إلا ظننت أنّ ابن سريج قد نشر، و إنه
ليحضرني غيره إذا لم يكن حاضرا، فيتقدّمه عندي و في نفسي بطيب [1] الصوت، حتى إذا
اجتمعا عندي رأيت إسحاق يعلو و رأيت من ظننته يتقدّمه ينقص؛ و إنّ إسحاق لنعمة/ من
نعم الملك التي لم يحظ [2] بمثلها؛ و لو أنّ العمر و الشباب و النشاط مما يشترى
لأشتريتهنّ له بشطر ملكي.
سأل المأمون
أن يكون دخوله إليه مع العلماء ثم مع الفقهاء:
أخبرني جعفر بن
قدامة قال حدّثني عليّ بن يحيى المنجّم قال:
سأل إسحاق
الموصليّ المأمون أن يكون دخوله إليه مع أهل العلم و الأدب و الرّواة لا مع
المغنّين، فإذا أراده للغناء غنّاه؛ فأجابه إلى ذلك؛ ثم سأله بعد حين أن يأذن له
في الدخول مع الفقهاء؛ فأذن له. قال: فحدّثني محمد بن الحارث بن بُسخُنَّر أنه كان
هو و مخارق و علّويه جلوسا في حجرة لهم ينتظرون جلوس المأمون و خروج الناس من
عنده، إذ دخل يحيى بن أكثم و عليه سواده [3] و طويلته، و يده في يد إسحاق يماشيه،
حتى جلس معه بين يدي المأمون، فكاد علّويه أن يجنّ، و قال: يا قوم، أسمعتم بأعجب
من هذا! يدخل قاضي القضاة و يده في يد مغنّ حتى يجلسا بين يدي الخليفة!. ثم مضت
على ذلك مدّة، فسأل إسحاق المأمون أن يأذن له في لبس السواد يوم الجمعة و الصلاة
معه في المقصورة؛ قال: فضحك المأمون و قال: و لا كلّ ذا يا إسحاق! و قد اشتريت منك
هذه المسألة بمائة ألف درهم؛ و أمر له بها.
ما كان يمتاز
به في مجلس الواثق:
حدّثني أحمد بن
جعفر جحظة قال حدّثني أبو عبد اللّه بن حمدون قال:
كان المغنّون
جميعا يحضرون مجلس الواثق و عيدانهم معهم إلا إسحاق، فإنه كان يحضر بلا عود للشرب
و المجالسة؛ فإن أمره الخليفة أن يغنّي أحضر له عودا، فإذا غنّى و فرغ سلّ من بين
يديه إلى أن يطلبه. و كان الواثق كثيرا ما يكنّيه، رفعا له/ من أن يدعوه باسمه؛ و
كان إذا غنّى و فرغ الواثق من شرب قدحه قطع الغناء و لم يعد منه حرفا إلا أن يكون
في بعض بيت فيتمّه، ثم يقطع و يضع العود من يده.
علي بن يحيى
يحدث عن تفوّقه في فنه:
أخبرنا يحيى بن
عليّ بن يحيى عن أبيه في خبر ذكر إسحاق [4] فيه، فقال: و عارض معبدا و ابن سريج
فانتصف منهما، و كان إبراهيم بن المهديّ يناظره و يجادله في الغناء و ينازعه في
صناعته،/ و لم يبلغه؛ و ما رأيت بعد إسحاق مثله.
[1]
في ب، س: «يطيب الصوت» بالياء المثناة التحتية، و هو تصحيف.
[3] السواد:
شعار بني العباس كان يرتديه أشياعهم. و الطويلة: قلنسوة عالية مدعمة بعيدان كان
يلبسها القضاة. (انظر الحاشيتين رقم 2، 3 من الجزء الأوّل من هذا الكتاب ص 414، من
هذه الطبعة). و في ب، ح، س: «سوادة و طيلية». و في أ، ء، م: «سوادة و طويلة»، و
كلاهما تحريف.