قد مضى نسبه
مشروحا في نسب أبيه؛ و يكنى أبا محمد، و كان الرشيد [1] يولع به فيكنيه أبا صفوان،
و هذه كنية أوقعها عليه إسحاق بن إبراهيم بن مصعب مزحا.
منزلته في
العلوم و تقدير الخلفاء و الناس له:
و موضعه من
العلم، و مكانه من الأدب، و محلّه من الرواية، و تقدّمه في الشعر، و منزلته في
سائر المحاسن، أشهر من أن يدلّ عليه فيها بوصف؛ و أما الغناء فكان أصغر علومه و
أدنى ما يوسم به و إن كان الغالب عليه و على ما كان يحسنه؛ فإنه كان له في سائر
أدواته نظراء و أكفاء و لم يكن له في هذا نظير؛ فإنه لحق بمن مضى فيه و سبق من
بقي، و لحب [2] للناس جميعا طريقه فأوضحها، و سهّل عليهم سبيله و أنارها؛ فهو إمام
أهل صناعته جميعا، و رأسهم و معلّمهم؛ يعرف ذلك منه الخاصّ و العامّ، و يشهد به
الموافق [3] و المفارق؛ على أنه كان أكره الناس للغناء و أشدّهم بغضا لأن يدعى
إليه أو يسمّى به. و كان يقول: لوددت أن أضرب، كلما أراد مريد مني أن أغنّي و كلما
قال قائل إسحاق الموصلي المغنّي، عشر مقارع، لا أطيق أكثر من ذلك، و أعفى من
الغناء و لا ينسبني من يذكرني إليه.
و كان المأمون
يقول: لو لا ما سبق على ألسنة الناس و شهر به عندهم من الغناء لولّيته القضاء
بحضرتي، فإنه أولى به/ و أعفّ و أصدق و أكثر دينا و أمانة من هؤلاء القضاة.
مشايخة الذين
تلقى عنهم:
و قد روى
الحديث و لقي أهله: مثل مالك بن أنس، و سفيان بن عيينة، و هشيم بن بشير [4]، و
إبراهيم [5] بن
[1]
كذا في جميع الأصول، و المعروف أن الرشيد لم يعاصر إسحاق بن إبراهيم بن مصعب في
بغداد، و أن إسحاق المصعبي و أهل بيته من أهل يوشنج من أعمال خراسان و لم يدخلوا
بغداد إلا بعد دخول المأمون فيها، و معلوم أيضا أن إسحاق المصعبي هو الذي أوقع هذه
الكنية على إسحاق كما سيجيء في شعر للموصلي بعث به إليه، و الغالب أن في الأصول
تحريفا، و الأجدر به أن يكون «المأمون» بدل «الرشيد» ليتسق التاريخ و تتلاءم
الحوادث بعضها مع بعض (انظر «التاج» للجاحظ الحاشية رقم 1 ص 31 طبع المطبعة
الأميرية).
[2] لحب
الطريق: سلكه و أوضحه، و يستعمل لازما فيقال: لحب الطريق إذا وضح. و في س «ألحب» و
هو بمعنى «لحب» المتعدّي.