قال: فغنّاه
ابن جامع، فلمّا فرغ منه طرب الرشيد و شرب؛ فقال له إبراهيم الموصليّ: يا سيّدي،
فاسمعه من نبيطيّك فغنّاه، فجعل ابن جامع يزحف من أوّل البيت إلى آخره، و طرب
هارون فقال: ارفعوا الستارة؛ فقال له ابن جامع: منّي و اللّه أخذه يا أمير
المؤمنين؛ فأقبل على إبراهيم فقال: بحياتي صدق؟ قال: صدق و حياتك يا سيّدي؛ قال: و
كيف أخذته و هو أبخل [5] الناس إذا سئل شيئا؟ قال: تركته يغنّيه و كان إذا سكر
يسترسل فيه فيغنّيه مستويا و لا يتحرّز منّي، فأخذته على هذا منه حتى وفيت [6] به.
كانت لزلزل
جارية مطبوعة فلما مات عنها أخبر هو بها الرشيد فابتاعها و أعتقها:
أخبرني محمد بن
مزيد قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال:
كان برصوما
الزّامر و زلزل الصارب من سواد أهل الكوفة من أهل الخشنة [7] و البذاذة و الدناءة،
فقدم بهما أبي معه سنة حجّ، و وقفهما على الغناء العربيّ و أراهما وجوه النّغم و
ثقّفهما حتى بلغا المبلغ الذي بلغاه من خدمة الخليفة، و كان أطبع أهل دهرهما في
صناعتهما؛ فحدّثني أبي قال: كان لزلزل جارية قد ربّاها و علّمها الضرب و سألني
مطارحتها [فطارحتها] [8]، و كانت مطبوعة حاذقة؛ قال: فكان يصونها أن يسمعها أحد؛
فلما مات بلغني أنها تعرض في ميراثه للبيع، فصرت إليها لأعترضها؛ فغنّت:
قال: و هذا شعر
رثاه به صديق له كان بالرّقّة [10]؛ قال: فأبكت و اللّه عيني و أوجعت قلبي. فدخلت
على الرشيد
[1]
التكملة عن ط، ء، إذ المعروف عن الخلفاء أنهم كانوا يجلسون وراء ستارة بينها و بين
الندماء عشرون ذراعا، و كان يوكل بهذه الستارة حاجب ينهى إلى المغنين ما يريده
الخليفة. (انظر «كتاب التاج» للجاحظ ص 37 طبع بولاق) في كلامه على الرشيد و غيره
من ملوك الإسلام و الفرس، و سيأتي في بقية الخبر ما يؤيد ذلك.