فسألني فأنكرت، فأمر بي فجرّدت فضربت ثلاثمائة و ستين سوطا؛ فقلت له
و هو يضربني: إن جرمي ليس من الأجرام التي يحلّ لك بها سفك/ دمي، و اللّه لو كان
سرّ ابنيك تحت قدميّ ما رفعتهما عنه و لو قطعتا، و لو فعلت ذلك لكنت في حالة أبان
السّاعي العبد؛ فلمّا قلت له هذا ضربني بالسيف في جفنه [1] فشجّني به، و سقطت
مغشيّا عليّ ساعة، ثم فتحت عينيّ فوقعتا على عيني المهديّ، فرأيتهما عيني نادم؛ و
قال لعبد اللّه بن مالك: خذه إليك.
قال: و قبل ذلك
ما تناول عبد اللّه بن مالك السوط من يد سلّام الأبرش فضربني، فكان ضرب عبد اللّه
عندي بعد ضرب سلّام عافية، ثم أخرجني عبد اللّه إلى داره و أنا أرى الدنيا في عيني
صفراء و خضراء [و حمراء] [2] من حرّ السّوط، و أمره أن يتّخذ لي شبيها بالقبر
فيصيّرني فيه؛ فدعا عبد اللّه بكبش فذبح و سلخ و ألبسني جلده ليسكن الضرب، و دفعني
إلى خادم له يقال له أبو عثمان سعيد التركيّ فصيّرني في ذلك القبر، و وكّل بي
جارية له يقال لها جشّة [3]؛ فتأذّيت ينزّ كان في ذلك [4] القبر و بالبقّ، و كان
فيه حليّ [5] أستريح إليه، فقلت لجشّة: اطلبي لي آجرّة عليها فحم و كندر [6] يذهب
عنّي هذا البقّ، فأتتني بذلك، فلما دخّنت أظلم القبر عليّ و كادت نفسي تخرج من
الغمّ، فاسترحت من أذاه إلى النّزّ فألصقت به أنفي حتى خفّ الدّخان، فلمّا ظننت
أني قد استرحت ممّا كنت فيه، إذا حيّتان مقبلتان نحوي من شقّ القبر تدوران حولي
بحفيف شديد، فهممت أن آخذ واحدة بيدي اليمنى و الأخرى بيدي/ اليسرى فإمّا عليّ و
إمّا لي، ثم كفيتهما، فدخلتا من الثّقب الذي خرجتا منه، فمكثت في ذلك القبر ما شاء
اللّه، ثم أخرجت منه؛ و وجّهت إلى أبي عثمان الخادم أسأله أن يبيعني جشّة لأكافئها
عمّا أولتني ففعل، فزوّجتها من حاجب لي، و لم تزل عندنا. قال إسحاق: مكثت عندنا
حتى ماتت، و بقيت بنت لها يقال لها جمعة، فزوّجتها من مولى لي في سنة أربع و
ثلاثين و مائتين.
[4] كذا في
م، و هو قريب مما جاء في «مختار الأغاني» لابن منظور (ص 104 طبع مصر) فقد ذكر فيه:
«فتأذيت بنتن كان في ذلك القبر و بالبق». و في سائر الأصول: «فتأذيت بنز عيسى باذ
و بالبق في ذلك القبر». و عيسى باذ: محلة كانت بشرقي بغداد منسوبة إلى عيسى بن
المهدي، و كانت إقطاعا له.
[5] كذا في
ط، ء. و الحليّ (وزان غني): يبيس ضرب من الكلأ يسمى النصيّ، و في سائر الأصول: «و
كان فيه خلاء».