و ما سمعت بهذه
الحكاية إلا عنه؛ و إنما ذكرتها على غثاثتها لشهرتها عند الناس، و أنها عندهم
كالصحيح من الرواية في نسبة إبراهيم إلى الموصل، فذكرته دالّا على عواره.
أخبرني الحسين
بن يحيى المرداسيّ و ابن أبي الأزهر قالا حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال: أسلم
أبي إلى الكتّاب فكان لا يتعلّم شيئا، و لا يزال يضرب و يحبس و لا ينجع ذلك فيه،
فهرب إلى الموصل و هناك تعلّم الغناء، ثم صار إلى الرّي و تعلّم بها أيضا، و مهر و
تزوّج هناك امرأته دوشار- و تفسير هذا الاسم أسدان [2]-/ و طال مقامه هناك، و أخذ
الغناء الفارسيّ و العربيّ، و تزوّج بها أيضا شاهك أمّ إسحاق ابنه و سائر ولده.
قال: و في دوشار هذه يقول إبراهيم، و له فيه غناء من الهزج:
دوشار يا سيّدتي
يا غايتي و منيتي
و يا سروري من جمي
ع الناس ردّي سنتي
أوّل مال
وصله على الغناء من خادم لأبي جعفر، أنفقه في تعلم صنعة الغناء:
قال إسحاق و
حدّثني أبي قال: أوّل شيء أعطيته بالغناء أنّي كنت بالرّيّ أنادم أهلها بالسّويّة
لا أرزؤهم شيئا، و لا أنفق إلا من بقيّة مال كان معي انصرفت به من الموصل؛ فمرّ
بنا خادم أنفذه أبو جعفر المنصور إلى بعض عمّاله برسالة، فسمعني عند رجل من أهل
الرّيّ، فشغف بي و خلع عليّ دوّاج سمّور [3]، له قيمة، و مضى بالرسالة و رجع و قد
وصله العامل بسبعة آلاف درهم و كساه كسوة كثيرة، فجاءني إلى منزلي الذي كنت أسكنه
فأقام عندي ثلاثة أيام، و وهب لي نصف الكسوة التي معه و ألفي درهم، فكان ذلك أوّل
ما اكتسبته بالغناء، فقلت: و اللّه لا أنفق هذه الدراهم إلا على الصناعة التي
أفادتنيها، و وصف لي رجل بالأبلّة [4] يقال له جوانويه [5] كان حاذقا، فخرجت إليه
و صحبت فتيانها، فأخذت عنهم و غنّيتهم فشغفوا بي.
قصته مع
جوانويه الذي أراد أن يتعلم منه ثم سبب اتصاله بالمهدي:
أخبرني الحسين
بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن جدّه قال:
فلم
يرفعوا المتقدّم إذ كان ناقصا، و لم ينقصوا المتأخر إذ كان زائدا، فلمثل هؤلاء
تصنف الكتب و تدوّن العلوم» اه.
[1] لعل هذا
الشعر من لغة العامة في ذلك العهد ك «الأغاني» التي يتغنى بها العامة الآن.
[2] الأسد
بالفارسية: «شر». و لعل «شار» لغة أو لهجة في هذه اللفظة. و «دو» بمعنى اثنين.
[3] دوّاج
سمور: ضرب من الثياب يتخذ من جلد حيوان يشبه السنور و هي فراء ثمينة تتخذ للينها و
خفتها و إدفائها و حسنها. و في س:
«دراج سمور»
بالراء، و هو تحريف.
[4] الأبلة
(بضم الهمزة و الباء الموحدة و تشديد اللام و فتحها): بلدة على شاطئ دجلة البصرة
العظمى في زاوية الخليج الذي يدخل إلى مدينة البصرة، و هي أقدم من البصرة، لأن
البصرة مصرت في أيام عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه، و كانت الأبلة حينئذ مدينة فيها
مسالح من قبل كسرى و قائد.