فركب إلى جعفر
بن سليمان نصف النّهار؛ فقال: ما نزعك [5] يا أبا عبد اللّه في هذا الوقت؟ قال:
حاجة لم أر فيها أحدا أكفى منّي. قال: و ما هي؟ قال: قد مدحني ابن هرمة بهذه
الأبيات، فأردت من أرزاقي مائة دينار. قال:
و من عندي
مثلها/ قال: و من الأمير أيضا! قال: فجاءت المائتا الدينار إلى ابن هرمة، فما أنفق
منها إلّا دينارا واحدا حتّى مات، و ورث الباقي أهله.
امتدح أبا
جعفر فلما أجازه لم يرض و طلب أن يحتال له في إباحة الشراب:
و قال أحمد بن
أبي خيثمة عن أبي الحسن المدائنيّ قال:
امتدح ابن هرمة
أبا جعفر فوصله بعشرة آلاف درهم. فقال: لا تقع منّي هذه. قال: ويحك! إنّها كثيرة.
قال:
إن أرادت أن
تهنئني فأبح لي الشراب فإنّي مغرم به. فقال: ويحك! هذا حدّ من حدود اللّه. قال:
احتل لي يا أمير المؤمنين. قال نعم. فكتب إلى والي المدينة: من أتاك بابن هرمة سكران
فاضربه مائة و اضرب ابن هرمة ثمانين.
قال: فجعل
الجلواز [6] إذا مرّ بابن هرمة سكران، قال: من يشتري الثمانين بالمائة!
امتدح الحسن
بن زيد فأجازه و عرض بعبد اللّه بن حسن و أخويه لأنهم و عدوه و أخلفوه:
أخبرني أحمد بن
عبد العزيز قال حدّثني أبو زيد عمر بن شبّة قال حدّثنا أبو سلمة الغفاريّ قال
أخبرنا ابن ربيح راوية ابن هرمة قال:
أصابت ابن هرمة
أزمة؛ فقال لي في يوم حارّ: اذهب فتكار حمارين إلى ستّة أميال، و لم يسمّ موضعا.
فركب واحدا و ركبت واحدا، ثم سرنا حتى صرنا إلى قصور الحسن بن زيد ببطحاء ابن
أزهر، فدخلنا مسجده. فلمّا مالت الشمس خرج علينا مشتملا على [7] قميصه، فقال لمولى
له: أذّن فأذّن، و لم يكلّمنا كلمة. ثم قال له: أقم فأقام، فصلّى بنا، ثم أقبل على
ابن هرمة فقال: مرحبا بك يا أبا إسحاق، حاجتك؟ قال: نعم، بأبي أنت و أمي، أبيات
قلتها- و قد كان عبد اللّه و حسن و إبراهيم بنو حسن بن حسن و عدوه شيئا فأخلفوه-
فقال: هاتها. فقال:
[1]
حفيت: أعطيت. و في م: «خفيت» بالخاء المعجمة و هو تصحيف و في ب، ط، ء، س: «جفيت»
بالجيم و هو تصحيف أيضا. و في ح: «خبيت» و لعلها مصحفة عن «حبيت» و هي «كحفيت»
وزنا و معنى. و الذي ظهر لنا في معنى البيت أنه يريد: لقد منحت خير ما نملك و هو
ما في عكتنا من عسل مصفى، يكنى بذلك عن مديحه الحسن.
[2] العكة:
زقيق صغير للسمن و العسل. و في الحديث: أن رجلا كان يهدي للنبيّ صلّى اللّه عليه و
سلّم العكة من السمن و العسل. قال ابن الأثير في «النهاية»: «و هي وعاء من جلود
مستدير، يختص بهما و هو بالسمن أخص».