كان الدّلال
مبتلى بالنّساء و الكون معهنّ، و كان يطلب فلا يقدر عليه، و كان بديع الغناء صحيحه
حسن الجرم [1].
سبب لقبه، و
توسطه بين الرجال و النساء:
قال إسحاق و
حدّثني الزّبيريّ قال:
إنّما لقّب
بالدّلال لشكله [2] و حسن دلّه و ظرفه و حلاوة منطقه و حسن وجهه و إشارته. و كان
مشغوفا [3] بمخالطة النّساء و وصفهنّ للرجال. و كان من أراد خطبة امرأة سأله عنها
و عن غيرها، فلا يزال يصف له النساء واحدة/ فواحدة حتّى ينتهي إلى وصف ما يعجبه؛
ثم يتوسّط بينه و بين من يعجبه منهنّ حتّى يتزوّجها؛ فكان يشاغل كلّ من جالسه عن
الغناء بتلك الأحاديث كراهة منه للغناء.
أنا أعلم خلق
اللّه بالسبب الذي من أجله خصي الدّلال؛ و ذلك أنه كان القادم يقدم المدينة، فيسأل
عن المرأة يتزوّجها فيدلّ على الدّلال؛ فإذا جاءه قال له: صف لي من تعرف من النساء
للتزويج؛ فلا يزال يصف له واحدة بعد واحدة حتّى ينتهي إلى ما يوافق هواه؛ فيقول:
كيف لي بهذه؟ فيقول: مهرها كذا و كذا؛ فإذا رضي بذلك أتاها الدّلال، فقال لها:
إنّي قد أصبت لك رجلا من حاله و قصّته و هيئته و يساره و لا عهد له بالنساء، و
إنما قدم بلدنا آنفا؛ فلا يزال بذلك يشوّقها و يحرّكها حتّى تطيعه؛ فيأتي الرجل
فيعلمه أنه قد أحكم له ما أراد. فإذا سوّي الأمر و تزوّجته المرأة، قال لها: قد آن
لهذا الرجل أن يدخل بك، و الليلة موعده، و أنت مغتلمة شبقة جامّة [5]؛ فساعة يدخل
عليك قد دفقت عليه مثل سيل العرم، فيقذرك و لا يعاودك، و تكونين من أشأم النّساء
على نفسك و غيرك. فتقول: فكيف أصنع؟ فيقول: أنت أعلم بدواء حرك و دائه و ما يسكّن
غلمتك. فتقول: أنت أعرف. فيقول: ما أجد له شيئا أشفى من النّيك. فيقول لها: إن لم
تخافي الفضيحة فابعثي إلى بعض الزّنوج حتّى يقضي بعض وطرك و يكفّ عادية حرك؛ فتقول
له: ويلك! و لا كلّ هذا! فلا تزال المحاورة بينهما حتّى يقول لها: فكما جاء [6]
عليّ أقوم، فأخفّفك و أنا و اللّه إلى التخفيف أحوج. فتفرح المرأة فتقول: هذا أمر
مستور، فينيكها؛ حتّى إذا قضى لذّته منها، قال لها: أمّا أنت فقد استرحت و أمنت
العيب، و بقيت أنا. ثم يجيء إلى الزوج فيقول له: قد واعدتها/ أن تدخل عليك
الليلة، و أنت
[1]
كذا في أكثر الأصول. و الجرم بالكسر هنا: الصوت أو جهارته. و في م «و نهاية الأرب»
(ح 4 ص 216): «الجزم» و الجزم: وضع الحروف مواضعها في بيان و مهل.
[2] الشكل
(بالكسر): الدل. و الشكل (بالفتح): الهيئة و المذهب.
[3] فيء، ح،
م: «مشعوفا» بالعين المهملة، و كلاهما بمعنى واحد. و قد قرئ بهما في قوله تعالى: (قَدْ
شَغَفَها حُبًّا).
[4] اشتمل
هذا الخبر على ألفاظ صريحة في الفحش، و قد آثرنا إبقاءه كما هو احتفاظا بكيان
«الأغاني» الذي يعدّ من أجل مصادر التاريخ و الأدب العربي.
[5] يقال: جم
الفرس و غيره، إذا ترك الضراب فتجمع ماؤه.