الضحّاك؛ فقلت: ما تقول في رجلين تشاجرا، فضّل أحدهما أبا نواس و
فضّل الآخر أبا العتاهية؟ فقال الحسين: أمّ من فضّل أبا نواس على أبي العتاهية
زانية؛ فخجل الفتح حتى تبيّن ذلك فيه، ثم لم يعاودني في شيء من ذكرهما حتّى
افترقنا.
اجتمع مع
مخارق فما زال يغنيه و هو يشرب و يبكي ثم كسر الآنية و تزهد:
و قد حدّثني
الحسن بن محمد بهذا الخبر على خلاف ما ذكره إبراهيم بن المهديّ فيما تقدّم، فقال:
حدّثني هارون بن مخارق قال حدّثني أبي قال:
جاءني أبو
العتاهية فقال: قد عزمت على أن أتزوّد منك يوما تهبه لي، فمتى تنشط؟ فقلت: متى
شئت.
فقال: أخاف أن
تقطع بي. فقلت: و اللّه لا فعلت و إن طلبني الخليفة. فقال: يكون ذلك في غد. فقلت:
أفعل.
فلمّا كان من
غد باكرني رسوله فجئته، فأدخلني بيتا له نظيفا فيه فرش نظيف، ثم دعا بمائدة عليها
خبز سميذ [1] و خلّ و بقل [2] و ملح و جدي مشويّ فأكلنا منه، ثم دعا بسمك مشويّ
فأصبنا منه حتى اكتفينا، ثم دعا بحلواء فأصبنا منها و غسلنا أيدينا، و جاءونا
بفاكهة و ريحان و ألوان/ من الأنبذة، فقال: اختر ما يصلح لك منّها؛ فاخترت و شربت؛
و صبّ قدحا ثم قال: غنّني في قولي:
أحمد قال لي و لم يدر ما بي
أ تحبّ الغداة عتبة حقّا
فغنّيته، فشرب
قدحا و هو يبكي أحرّ بكاء. ثم قال: غنّني في قولي:
ليس لمن ليست له حيلة
موجودة خير من الصّبر
فغنّيته و هو
يبكي و ينشج [3]، ثم شرب قدحا آخر ثم قال: غنّني، فديتك، في قولي:
خليليّ ما لي لا تزال مضرّتي
تكون مع الأقدار ختما من الحتم
فغنّيته إيّاه.
و ما زال يقترح عليّ كلّ صوت غنّي به في شعره فأغنّيه و يشرب و يبكي حتى صار
العتمة. فقال:
أحبّ أن تصبر
حتّى ترى ما أصنع فجلست. فأمر ابنه و غلامه فكسرا كلّ ما بين أيدينا من النبيذ/ و
آلته و الملاهي، ثم أمر بإخراج كلّ ما في بيته من النّبيذ و آلته، فأخرج جميعه،
فما زال يكسره و يصبّ النبيذ و هو يبكي حتى لم يبق من ذلك شيء، ثم نزع ثيابه و
اغتسل، ثم لبس ثيابا بيضا من صوف، ثم عانقني و بكى، ثم قال: السلام عليك يا حبيبي
و فرحي من الناس كلّهم سلام الفراق الذي لا لقاء بعده؛ و جعل يبكي، و قال: هذا آخر
عهدي بك في حال تعاشر أهل الدنيا؛ فظننت أنّها بعض حماقاته، فانصرفت، و ما لقيته
زمانا. ثم تشوّقته [4] فأتيته فاستأذنت عليه فأذن لي فدخلت، فإذا هو قد أخذ
قوصرتين [5] و ثقب إحداهما و أدخل رأسه و يديه فيها و أقامها مقام القميص، و ثقب
الأخرى [6] و أخرج رجليه منها و أقامها مقام السّراويل. فلمّا رأيته نسيت كلّ ما
كان عندي من الغمّ عليه و الوحشة