مات شيخ لنا ببغداد، فلمّا دفنّاه أقبل الناس على أخيه يعزّونه، فجاء
أبو العتاهية إليه و به جزع شديد، فعزّاه ثم أنشده:
لا تأمن الدّهر و البس
لكلّ حين لباسا
ليدفنّنا أناس
كما دفنّا أناسا
/ قال: فانصرف الناس، و ما حفظوا غير قول أبي
العتاهية.
أرسل لخزيمة
من شعره في الزهد فغضب و ذمه:
نسخت من كتاب
هارون بن عليّ: حدّثني عليّ بن مهديّ قال حدّثني حبيب بن عبد الرحمن عن بعض
أصحابه:
قال: كنت في
مجلس خزيمة [1]، فجرى حديث ما يسفك من الدماء، فقال: و اللّه ما لنا عند اللّه عذر
و لا حجّة إلّا رجاء عفوه و مغفرته. و لو لا عزّ السلطان و كراهة الذلّة، و أن
أصير بعد الرئاسة سوقة و تابعا بعد ما كنت متبوعا، ما كان في الأرض أزهد و لا أعبد
منّي؛ فإذا هو بالحاجب قد دخل عليه برقعة من أبي العتاهية فيها مكتوب:
أراك امرأ ترجو من اللّه عفوه
و أنت على ما لا يحبّ مقيم
تدلّ على التقوى و أنت مقصّر
أيا من يداوي الناس و هو سقيم
و إنّ امرأ لم يلهه اليوم عن غد
تخوّف ما يأتي به لحكيم
و إنّ امرأ لم يجعل البرّ كنزه
و إن كانت الدنيا له لعديم
/ فغضب خزيمة و قال: و اللّه ما المعروف عند
هذا المعتوه الملحف من كنوز البرّ فيرغب فيه حرّ. فقيل له:
و كيف ذاك؟
فقال: لأنّه من الذين يكنزون الذهب و الفضّة و لا ينفقونها في سبيل اللّه.
مدح يزيد بن
مزيد فوصله:
و نسخت من
كتابه: عن عليّ بن مهديّ قال حدّثني الحسين بن أبي السّريّ قال قال لي الفضل بن
العبّاس:
قال لي أبو العتاهية:
دخلت على يزيد بن مزيد، فأنشدته قصيدتي التي أقول فيها:
و ما ذاك إلّا أنّني واثق بما
لديك و أنّي عالم بوفائكا
كأنّك في صدري إذا جئت زائرا
تقدّر فيه حاجتي بابتدائكا
و إنّ أمير المؤمنين و غيره
ليعلم في الهيجاء فضل غنائكا
كأنّك عند الكرّ في الحرب إنّما
تفرّ من السّلم الذي من ورائكا
فما آفة الأملاك غيرك في الوغى
و لا آفة الأموال غير حبائكا
قال: فأعطاني
عشرة آلاف درهم، و دابة بسرجها و لجامها ..