ابن الفاعلة! أتعرّض بي في مثل ذلك الموضع! و حبسه في داره. فدسّ أبو
العتاهية إلى زبيدة بنت جعفر، و كانت توجب [1] له [حفّه] [2]، هذه الأبيات:
حتّى متى ذو التّيه في تيهه
أصلحه اللّه و عافاه
يتيه أهل التّيه من جهلهم
و هم يموتون و إن تاهوا
من طلب العزّ ليبقى به
فإنّ عزّ المرء تقواه
لم يعتصم باللّه من خلقه
من ليس يرجوه و يخشاه
و كتب إليها
بحالة و ضيق حبسه، و كانت مائلة إليه، فرثت [3] له و أخبرت الرشيد بأمره و كلّمته
فيه؛ فأحضره و كساه و وصله، و لم يرض عن القاسم حتى برّ أبا العتاهية و أدناه و
اعتذر إليه.
مدح الرشيد و
الفضل فأجازاه:
و نسخت من كتاب
هارون بن عليّ: قال حدّثني عليّ بن مهديّ قال حدّثني محمد بن سهل عن خالد بن أبي
الأزهر قال:
بعث الرشيد
بالحرشيّ [4] إلى ناحية الموصل، فجبى له منها مالا عظيما من بقايا الخراج، فوافى
به باب الرشيد، فأمر بصرف المال أجمع إلى بعض جواريه، فاستعظم الناس ذلك و تحدّثوا
به؛ فرأيت أبا العتاهية و قد أخذه شبه الجنون، فقلت له: مالك ويحك؟! فقال لي:
سبحان اللّه! أ يدفع هذا المال الجليل إلى امرأة، و لا تتعلّق كفّي بشيء منه! ثم
دخل إلى الرشيد بعد أيّام فأنشده:
اللّه هوّن عندك الدن
يا و بغّضها إليكا
فأبيت إلّا أن تص
غّر كلّ شيء في يديكا
ما هانت الدّنيا على
أحدكما هانت عليكا
فقال له الفضل
بن الربيع: يا أمير المؤمنين، ما مدحت الخلفاء بأصدق من هذا المدح. فقال: يا فضل،
أعطه عشرين ألف درهم. فغدا أبو العتاهية على الفضل فأنشده:
إذا ما كنت متّخذا خليلا
فمثل الفضل فاتّخذ الخليلا
يرى الشّكر القليل له عظيما
و يعطي من مواهبه الجزيلا/
أراني حيثما يمّمت طرفي
وجدت على مكارمه دليلا
فقال له الفضل:
و اللّه لو لا أنّ أساوي أمير المؤمنين لأعطيتك مثلها، و لكن سأوصلها إليك في
دفعات، ثم أعطاه ما أمر له به الرشيد، و زاد له خمسة آلاف درهم من عنده.
[1]
كذا في ح و هو المناسب؛ يقال: أوجب لفلان حقه إذا راعاه، و في سائر النسخ: «توجه
له» و ليس لها معنى.