كان مجاشع بن مسعدة أخو عمرو بن مسعدة صديقا لأبي العتاهية، فكان
يقوم بحوائجه كلّها و يخلص مودّته، فمات، و عرضت لأبي العتاهية حاجة إلى أخيه عمرو
بن مسعدة فتباطأ فيها؛ فكتب إليه أبو العتاهية:
غنيت عن العهد القديم غنيتا
و ضيّعت ودّا بيننا و نسيتا
و من عجب الأيّام أن مات مألفي
و من كنت تغشاني به و بقيتا
/ فقال عمرو: استطال أبو إسحاق أعمارنا و
توعّدنا، ما بعد هذا خير، ثم قضى حاجته.
فارق أبا
غزية في المدينة و أنشده شعرا:
أخبرني الحرمي
بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير قال حدّثنا أبو غزيّة قال:
كان أبو
العتاهية إذا قدم من [1] المدينة يجلس إليّ؛ فأراد مرّة الخروج من المدينة فودّعني
ثم قال:
إن نعش نجتمع و إلّا فما أش
غل من مات عن جميع الأنام
طالبه غلام
من التجار بمال فقال فيه شعرا أخجله:
أخبرني أحمد بن
العبّاس العسكريّ قال حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ قال حدّثني عبد الرحمن بن
إسحاق العذريّ قال:
كان لبعض التّجّار
من أهل باب الطّاق [2] على أبي العتاهية ثمن ثياب أخذها منه. فمرّ به يوما، فقال
صاحب الدّكّان لغلام ممن يخدمه حسن الوجه: أدرك أبا العتاهية فلا تفارقه حتى تأخذ
منه مالنا [3] عنده؛ فأدركه على رأس الجسر،/ فأخذ بعنان حماره و وقفه [4]. فقال
له: ما حاجتك يا غلام؟ قال: أنا رسول فلان، بعثني إليك لآخذ ماله عليك. فأمسك عنه
أبو العتاهية؛ و كان كلّ من مرّ فرأى الغلام متعلّقا به وقف ينظر، حتى رضي أبو
العتاهية جمع الناس و حفلهم، ثم أنشأ يقول:
و اللّه ربّك إنّني
لأجلّ وجهك عن فعالك
لو كان فعلك مثل وج
هك كنت مكتفيا بذلك
فخجل الغلام و
أرسل عنان الحمار، و رجع إلى صاحبه، و قال: بعثتني إلى شيطان جمع عليّ الناس و قال
فيّ الشعر حتى أخجلني فهربت منه.
حجبه حاجب
عمرو بن مسعدة فقال فيه شعرا:
أخبرني أحمد بن
العبّاس قال حدّثنا العنزيّ قال قال إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم التّيميّ: حدّثني
إبراهيم بن حكيم قال:
[1]
كذا في جميع النسخ. و السياق يقتضي حذف «من» كما هو ظاهر.
[2] باب
الطاق: محلة كبيرة ببغداد بالجانب الشرقيّ تعرف بطاق أسماه.
[4] حكى عن
بعضهم أنه قال: ما يمسك باليد يقال فيه: أوقفت (بالألف)، و ما لا يمسك باليد يقال
فيه: وقفت (بغير ألف). و الفصيح وقفت بغير ألف في جميع الباب إلا في قولك: ما
أوقفك هاهنا؟ و أنت تريد: أيّ شأن حملك على الوقوف. (انظر «المصباح المنير» مادة
وقف).